وأما في المآل فلأن المغرب كثير التقلبات، فإذا وقعت فترة أوقع البعض بالبعض منهم ما لا يليق من فظيع التصرفات، ومرادنا نفعهم وإرشادهم لحسن الجوار مع المسلمين، ليكونوا بخير معهم فيما يحدث وما يأت، كما كانوا كذلك فيما مضى وفات، وهذا أمر ضروري لا ينكره عاقل، فضلا عن فاضل.
وبالجملة لو أطلعتم كل الاطلاع على ما يدافع عنهم المخزن ويقاسيه في شأنهم لعذرتم من يحاول أمرهم، وتعجبتم من فعلهم، ولا يعرف حق النعمة إلا عند فقدها، ومن لم يشكرها فقد تعرض لزوالها.
وقول الكتاب إنهم ليست لهم حرية التصرف في دينهم، وهاهم في كنائسهم في مواضع سكناهم يفعلون ما أرادوا، ولم نسمع أن أحدا قط تعرض لهم في أمر دينهم: أعيادهم وأنكحتهم ومعاملتهم مما عوهدوا على عدم التعرض لهم فيه، ولا مشوش عليهم في شيء من ذلك.
نعم إن كان المقصود رفاهية خاصة عوهدوا على تركها، فهذه في إحداثها ضرر، إذ ذاك يؤدي إلى التفاقم وكثرة الهرج في الرعية، وهم بأنفسهم يعترفون بذلك إن صدقوا الله وأحسنوا الطوية، ولا حيف ولا عار على أحد في حمله على سبيله المعروف، وشكله المعتاد له المألوف، إنما الحيف والعار في إحداث ما لم يعهد، والإقدام على قواعد مؤسسة من قديم بالنقض والهد، وترك كل قوم في مثل هذا وما اعتادوه: هو أولى، بل الواجب في باب السياسة الذي ينبغي اعتماده.
وقول الكتاب: يقع الإذن من الدولة إلى آخره. جوابه: إن الجاري على ما تقدم من أن من قواعد ديننا أن العالم حاكم على الملك لا العكس: أن يكون ما