وهذا نص بيعة علماء مراكش وأعيانها للسلطان عبد الحفيظ، وفيها تقرير وجوب تحكيم الشريعة والذب عنها ورد التحاكم إلى غيرها، وفيها بيان واضح على الدور الجليل الذي لعبه العلماء في تقويم الحياة السياسية، أو لنقل بعبارة هذا العصر: رفض العلمنة والتحاكم للقوانين الوضعية:
بعد التقديم: أما بعد: فقد جاء القرآن العظيم - المنزل على نبينا الكريم - بوجوب رعي المصالح ودفع المضار، ودفع المضار مقدم على جلب المسار، باتفاق العلماء أئمة الدين ذوي الأنظار، وهو {لَا يَاتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد}[فصلت٤٢]، وجميع ما جاء به القرآن وجل ما خلق الله لمصالح العباد، بشهادة {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}[البقرة٢٩] أي: انتفاعا واعتبارا، ولذا أوجب علينا في الأمور العامة والخاصة رعى المصالح ودفع المفاسد.
ولذلك وجب على المسلمين نصب الإمام وهي الإمامة الكبرى، التي هي رئاسة في الدين والدنيا عامة لشخص واحد، وقال الآمدي: الحق أنها خلافة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إقامة الشرع وحفظ الملة، توجب اتباعه على كافة المسلمين ما وافق الحق، فمن أطاعه قد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، بنص القرآن والحديث.
وقد نص أئمتنا أن طاعته لا تكون طاعة له ولله ولرسوله حتى تكون في الظاهر والباطن سواء، وهذا إذا وافق الشرع مع توفر شروط الخلافة فيه، ولذا قال عمر: أطيعوني ما وافقت الحق، ومن لم يوافقه فلا طاعة له، ولصحة الإمامة شروط صحة يلزم من عدمها العدم: العدالة، والعلم، وسلامة الحواس والأعضاء، وصحة الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح، والشجاعة