وطلب يوسف بن تاشفين من أهل البلاد المغربية والأندلسية المعاونة بشيء من المال على ما هو بصدده من الجهاد وكتب إلى قاضي المرية أبي عبد الله محمد بن يحيى عرف بابن البراء يأمره بفرض معونة المرية ويرسل بها إليه فامتنع محمد بن يحيى من فرضها وكتب إليه يخبره بأنه لا يجوز له ذلك فأجابه أمير المسلمين بأن القضاة عندي والفقهاء قد أباحوا فرضها وأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد فرضها في زمانه فراجعه القاضي عن ذلك بكتاب يقول فيه: فقد بلغني ما ذكره أمير المسلمين من اقتضاء المعونة وتأخري عن ذلك، وأن أبا الوليد الباجي وجميع القضاة والفقهاء بالعدوة والأندلس أفتوه بأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - اقتضاها، فالقضاة والفقهاء إلى النار دون زبانية. فإن كان عمر اقتضاها فقد كان صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووزيره وضجيعه في قبره، ولا يشك في عدله، وليس أمير المسلمين بصاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا بوزيره ولا بضجيعه في قبره، ولا ممن لا يشك في عدله. فإن كان القضاة والفقهاء أنزلوك منزلته في العدل فالله تعالى سائلهم وحسيبهم عن تقلدهم فيك. وما اقتضاها عمر - رضي الله عنه - حتى دخل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحضر من كان معه من الصحابة - رضي الله عنهم - وحلف أن ليس عنده في بيت مال المسلمين درهم واحد ينفقه عليهم. فليدخل أمير المسلمين المسجد الجامع بحضرة من هناك من أهل العلم وليحلف أن ليس عنده في بيت مال المسلمين درهم ينفقه عليهم. وحينئذ تجب معونته، والله تعالى على ذلك كله. والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته. فلما بلغ كتابه إلى أمير المسلمين وعظه الله بقوله ولم يعد عليه في ذلك قولا، والأعمال بالنيات (١).