فكان - صلى الله عليه وسلم - يولي العمال والولاة جباة الزكاة والقضاة، وعين لهم مهامهم وبينها لهم وأوصاهم عند تعيينهم مجموعة من الوصايا، وبين فرائض الزكاة وقواعدها ومصارفها والعشور والخراج والجزية، كما هو مبسوط في كتب الفقه والأموال والخراج وغيرها.
وجهز الجيوش وخطب فيهم وعين قادة الجيش من الخيالة والمشاة والرماة وغيرهم.
وراسل ملوك زمانه مراسلات دبلوماسية عديدة، وعقد اتفاقيات ومعاهدات مع كثير من أهل زمانه، وأقام الحدود على الجناة، وأنشأ نظاما اجتماعيا متكاملا. وإلى جانب هذا كان واعظا وخطيبا وإمام الصلاة والحج ومعلم الدعوات والأذكار.
فضلا عن قيامه بأعبائه المنزلية والإشراف على شؤونه الخاصة.
أمام هذه الحقائق الباهرة لم يجد العلمانيون العرب من سبيل إلا اختراع شبهات واهية، بل مضحكة للقفز عليها وتجاوزها أو لنقل القيام بما سماه علي حرب تزييف الوعي.
أولى تلك المحاولات اليائسة محاولة الشيخ علي عبد الرازق.
فعندما أراد الشيخ إثبات أن الإسلام دين لا دولة، ابتدع الرأي الذي زعم فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقم دولة ولا ملكا ولا حكومة في المدينة بعد هجرته إليها. وهو رأي شذ فيه عن الكافة، ثم عاد فتبرأ منه، بل ونسبه إلى الشيطان، ورفض إعادة طبع كتابه (١). ولم تنفع علي عبد الرازق هذه المغالطة المفضوحة التي سخرت فيها منه الجماهير.