أقصد بالأسباب الشروط التاريخية التي تسببت في إفرازها ووجودها في العالم الغربي أولا، وفي نسختها الكربونية العربية، من أجل فهم منطقي ومعمق لحقيقتها ومدلولها المفاهيمي، ومن ثم موقف الإسلام منها.
فلابد من تتبع السياق التاريخي الذي ولدت فيه العلمانية في الغرب، ويتعين تقصي الملابسات التاريخية لنشأتها في إطار الحضارة الغربية المسيحية بجذورها الإغريقية الفلسفية، وتراثها الروماني القانوني، ودينها المسيحي.
وقد بحث هذا المبحث كثيرا في شقيه الغربي والعربي ولذلك فستكون مقاربتنا هنا ملخصا جامعا لتلك المطارحات، مع إضافات ملتقطة من هنا وهناك.
والمتفق عليه بين جل الباحثين بما فيهم كثير من العلمانيين أن العلمانية إفراز ثقافي فلسفي في ظل شروط تاريخية واجتماعية ودينية غربية مخالفة للسياق الذي وجدت-أو بالأحرى- أُوجدت فيه في العالم العربي.
فالعلمانية ظاهرة غربية محضة تاريخا وموطنا وأسبابا، لها شروط سياسية ودينية واجتماعية ولدتها وساهمت في تشكيلها وبررت وجودها، وجعلت من أوروبا حاضنا رسميا لها.
بل الأكثر من هذا فالمسيحية بحد ذاتها لإقرارها بترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله هي العامل المركزي الذي ساهم في بروز العلمانية.
فمن رحم المسيحية المحرفة مذهبا وتاريخا خرجت العلمانية.