كان هذا هو همهم الأول قبل اهتمامهم بالتبشير للدين المسيحي (١).
وقد أسلفت أن العلمانية متجذرة في الدين النصراني، ولذلك كان التبشير به تبشير بالعلمانية وقطع للطريق على الإسلام.
وقد كانت الشريعة الإسلامية في المغرب في صورة المذهب المالكي حاكمة لقرون عديدة، وكانت المرجع الوحيد للقوانين التي كان يحكم بها القضاة في المحاكم والمساجد وغيرها، كما سأبين ذلك بتفصيل في رسالة مفردة بإذن الله. حتى جاء الاستعمار بعلمانيته فأزاح الشريعة واستبدلها بالقوانين الوضعية وأزاح المحاكم الشرعية وهمشها.
في عالمنا الإسلامي أراد طغمة من العلمانيين اجترار نفس الأساليب لواقع مختلف جذريا عن واقع أوربا. فلا المساجد هيمنت وطغت، بل وبالعكس كانت ملاذا للضعفاء والمساكين والمحتاجين.
ولا (رجال الدين) المسلمين شكلوا خطرا على الثقافة ولا تحالفوا مع الإقطاعيين ضد عامة الفقراء، كما حدث في أوربا، ولا شكلوا طبقة كنهوت، بل كان علماء الإسلام من عموم الناس الضعفاء يتشاركون معهم همومهم وأفراحهم، ولا أدل على ذلك من الاحترام الكبير الذي يحظى به العلماء في الأوساط الشعبية. ولا محاكم تفتيش في تاريخنا الإسلامي، ولا صكوك غفران.
فلا يجدي نفعا استنساخ تجربة لواقع مختلف كانت العلمانية فيه حلا منطقيا لمشاكل معينة تختلف تماما عن واقعنا وتاريخنا وبيئتنا وحضارتنا.