للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبعد أن قررت كل طائفة حدوث الأجسام على طريقتها توصلوا إلى إثبات حدوث العالم وقدم الخالق بأساليب مختلفة: -

إما بالقول بـ (أن ما لم يسبق المحدث محدّث فتكون الحوادث كلها لها أول لأن كلاً منها له أول وما ثبت لآحادها ثبت لمجموعها لأنها ليست سوى آحادها) (١) وهذا أصل نفيهم دوام الحوادث والتشبث بأن لها أولاً مع ما يستلزمه ذلك من لوازم باطلة أظهرها تعطيل الخالق عز وجل عن الفعل أزلاً بل وعن الكلام والإرادة وغيرها. وإما بالقول بـ (أن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث) فوجب عندهم تنزيه الله تعالى عن أن يقوم به ما جعلوه حوادث كالكلام والإرادة والغضب والرضا، وجعلوا ذلك هو حقيقة الوحيد، واتهموا من أثبت تلك الصفات إما بانه مشرك لأنه أثبت تعدد القدماء، أو مجسم مشبه لأنه أثبت لله ما هو من خصائص المحدثات (٢) .

ولم توفق أية طائفة منهم إلى التفريق بين نوع الحوادث وآحادها وأن حكم المجموع قد يخالف حكم الواحد عقلاً وشرعاً وحساً، وإلى فهم ان نفي اتصاف


(١) وهذا باطل لأن حكم المجموع يفارق حكم الآحاد في أمور كثيرة انظر التفصيل في درء التعارض ٩/١٣٧ -١٥٨ ومع ذلك فإن المجموع شيء والنوع شيء آخر يقول شيخ الإسلام " الفرق معلوم بين قولنا جميع الحوادث لها أول بمعنى أن كل واحد منها له أول وبين قولنا عن جنس الحوادث لها أول بمعنى أن الحوادث منقطعة غير دائمة ولا مستمرة ولا متسلسلة فإن العقل يتصور أن كل واحد له أول وآخر وهي مع ذلك دائمة مستمرة " المصدر نفسه ٩/١٤٣، ولما خفي هذا على الدكتور البوطي اتهمه وهاجمه بغير حق، انظر ص١٦٤ من كتاب الباحثة.
(٢) انظر مناقشة هذه المسألة العظيمة في درء التعارض الجزء الثاني كله ففيه تفصيل القول فيها وعلاقتها بقضية دوام الحوادث.

<<  <   >  >>