للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأنتم (١) تريدون بالفاعل أن مفعوله مقارن له في الزمان وإذا كان فاعلاً بهذا الاعتبار وجب مقارنة مفعوله له فلا يتأخر فعله، فهذه عمدتكم، والفاعل عند عامة العقلاء وعند سلفكم، وعندكم أيضاً - في غير هذا الموضع - هو الذي يفعل شيئاً فيحدثه، فيمتنع أن يكون المفعول مقارناً له بهذا الاعتبار ـ بل على هذا الاعتبار يجب تأخر كل مفعول له، فلا يكون في مفعولاته شيء قديم بقدمه، فيكون كل ما سواه محدث.

ثم للناس هنا طريقان:

" منهم " من يقول: يجب تأخر كل مفعول له، وأن يبقى معطلاً عن الفعل ثم يفعل، كما يقوله أهل الكلام المبتدع من أهل الملل، من الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم وهذا النفي يناقض دوام الفاعلية فهو يناقض موجب تلك الحجج.

و" الثاني ": أن يقال: ما زال فاعلاً لشيء بعد شيء، فكل ما سواه محدث كائن بعد أن لم يكن وهو وحده الذي اختص بالقدم والأزلية، فهو " الأول" القديم الأزلي ليس معه غيره، وانه ما زال يفعل شيئاً بعد شيء.

فيقال لهم: الحجج التي تقيمونها في وجوب قدم " الفاعلية " كما أنها تبطل قول أهل الكلام المحدث فهي أيضاً تبطل قولكم؛ وذلك أنها لو دلت على دوام الفاعلية بالمعنى الذي ادعيتم، للزم أن لا يحدث في العالم حادث؛ إذ كان المفعول المعلول عندكم يجب أن يقارن علته الفاعلية في الزمان، وكل ما


(١) ... أي الفلاسفة.

<<  <   >  >>