للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وغيرهم، لا توجب ذلك؛ بل يقولون: القادر هو الذي يفعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب، ويجعلون هذا هو الفرق بينه وبين الموجب بالذات، وهؤلاء يقولون: إن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، كالجائع مع الرغيفين والهارب مع الطريقين.

ثم القدرية من هؤلاء يقولون: العبد قادر يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح، كما يقولون مثل ذلك في الرب. ولهذا كان [من] قول هؤلاء القدرية: إن الله لم ينعم على أهل الطاعة بنعم خصهم بها حتى أطاعوه بها، بل تمكينه للمطيع وغيره سواه؛ لكن هذا رجح الطاعة بلا مرجح، بل بمجرد قدرته من غير سبب أوجب ذلك، وهذا رجح المعصية بمجرد قدرته، من غير سبب أوجب ذلك.

وأما الجبرية - كجهم وأصحابه - فعندهم أنه ليس للعبد قدرة ألبتة.

الأشعري يوافقهم في المعنى فيقول: ليس للعبد قدرة مؤثرة؛ ويثبت شيئاً يسميه قدرة يجعل وجوده كعدمه، وكذلك الكسب الذي يثبته.

وهؤلاء لا يمكنهم أن يحتجوا على بطلان قول القدرية بأن رجحان فاعلية العبد على تاركيته لابد لها من مرجح - كما يفعل ذلك الرازي وطائفة من الجبرية - ولهذا لم يذكر الأشعري وقدماء أصحابه هذه الحجة.

وطائفة من الناس - كالرازي وأتباعه - إذا ناظروا المعتزلة في مسائل القدر أبطلوا هذا الأصل، وبينوا أن الفعل يجب وجوده عند وجود المرجح التام، وأنه يمتنع فعله بدون المرجح التام، ونصروا أن القادر المختار لا يرجح أحد مقدورية على الآخر إلا بالمرجح [التام] وإذا ناظروا الفلاسفة في مسألة

<<  <   >  >>