للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حدوث العالم وإثبات الفاعل المختار، وإبطال قولهم بالموجب بالذات، سلكوا مسلك المعتزلة والجهمية في القول بأن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح وعامة الذين سلكوا مسلك أبي عبد الله بن الخطيب وأمثاله تجدهم يتناقضون هذا التناقض.

وفصل الخطاب أن يقال: أي شيء يراد بلفظ الموجب بالذات؟ إن عنى [به] أنه يوجب بذات مجردة عن المشيئة والقدرة، فهذه الذات لا حقيقة لها ولا ثبوت في الخارج، فضلاً عن أن تكون موجبة

والفلاسفة يتناقضون فإنهم يثبتون للأول غاية، ويثبتون العلل الغائبة في إبداعه، وهذا يستلزم الإرادة.

وإذا فسروا الغاية بمجرد العلم، وجعلوا العلم مجرد الذات، كان هذا في غاية الفساد والتناقض؛ فإنا نعلم بالضرورة أن الإرادة ليست مجرد العلم، وأن العلم ليس هو مجرد العالم، لكن هذا من تناقض هؤلاء الفلاسفة في هذا الباب، فإنهم يجعلون المعاني المتعددة معنى واحدا، فيجعلون العلم هو القدرة وهو الإرادة، ويجعلون الصفة هي نفس الموصوف، كما يجعلون العلم هو [نفس] العالم، والقادر هو القدرة، والإرادة هي المريد، والعشق هو العاشق.

وهذا قد صرح به فضلاؤهم - وحتى المنتصرون لهم - مثل ابن رشد الحفيد، الذي رد على [أبي حامد] الغزالي في " تهافت التهافت " وأمثاله.

وأيضاً: فلو قدر وجود ذات مجردة عن المشيئة والاختيار، فيمتنع أن يكون العالم صادراً عن موجب بالذات بها التفسير، لأن الموجب بالذات بهذا الاعتبار يستلزم موجبه ومقتضاه؛ فلو كان مبدع العالم موجباً بالذات بهذا التفسير،

<<  <   >  >>