للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لزم أن لا يحدث في العالم شيء، وهو خلاف المشاهدة، فقولهم بالموجب بالذات يستلزم نفي صفاته ونفي أفعاله ونفي حدوث شيء من العالم، وهذا كله معلوم البطلان.

وأبطل من ذلك أنهم جعلوه واحداً بسيطاً، وقالوا: إنه لا يصدر عنه إلا واحد، ثم احتالوا في صدور الكثرة عنه بحيل تدل على عظيم حيرتهم وجهلهم بهذا الباب، كقولهم: إن الصادر الأول هو العقل الأول، وهو موجود، واجب بغيره، ممكن بنفسه، ففيه ثلاث جهات؛ فصدر عنه باعتبار وجوبه عقل آخر، وباعتبار وجوده نفس، وباعتبار إمكانه [فلك وربما قالوا: وباعتبار وجوده صورة الفلك، وباعتبار إمكانه] مادته وهم متنازعون في النفس الفلكية: هل هي جوهر مفارق له، [أم] عرض قائم به؟

ولهذا أطنب الناس في بيان فساد كلامهم، وذلك أن هذا الواحد الذي فرضوه لا يتصور وجوده إلا في الأذهان لا في الأعيان ثم قولهم: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد قضية كلية، وهم لو علموا ثبوتها في [بعض] الصور، لم يلزم أن تكون كلية إلا بقياس التمثيل، فكيف وهم لا يعلمون واحداً / صدر عنه شيء؟

والمقصود هنا أن الموجب بالذات إذا فسر بهذا فهو باطل، وأما إذا فسر الموجب بالذات [بأنه] الذي يوجب مفعوله بمشيئته وقدرته لم يكن هذا المعنى منافياً لكونه فاعلاً بالاختيار بل يكون فاعلاً بالاختيار، موجباً بذاته التي هي فاعل قادر مختار، وهو موجب بمشيئته وقدرته.

وإذا تبين أن الموجب بالذات يحتمل معنيين: أحدهما لا ينافي كونه فاعلاً بمشيئته

<<  <   >  >>