وحينما يتصدى المشتغلون بالكلام المذموم لهؤلاء وأرادوا إثبات حدوث العالم لكن بغير طريق الوحي وعلى غير منهج القرآن دخلوا في المتاهات التي أشرنا إليها وخاضوا فيما لا طاقة للعقول بالاستقلال به ولا قبل لها بالوصول إلى غايته.
فقد تعمق هؤلاء في الحديث عن أصل الموجودات - أو الحوادث كما سموها - وعلاقة ذلك بأولية الخالق تعالى وتفرده بالقدم، وارتكبوا خطأ قاتلاً حين قرروا أن العقل يحكم باستحالة حوادث لا أول لنوعها - أي غير مسبوقة بالعدم المطلق - وظنوا أن الرسل جاءوا بإثبات ذات معطلة عن الخلق زماناً ثم خلقت، وعليه فلا يصح عندهم وصف أفعال الله تعالى بأنها أزلية! ! .
والعجب أنهم يسلمون بدوان الحوادث - أو تسلسلها - في المستقبل لكن حصرت عقولهم عن تجويزه في الماضي توهماً منهم أن ذلك قول بقدم العالم وأصروا على هذا الأصل الفاسد الذي لا برهان عليه من عقل ولا نقل حتى أن منهم من شذ فالتزم القول بمنع ذلك في المستقبل أيضاً وقال بفناء الجنة والنار أو فناء حركاتهما!!.
ووفق الله أهل السنة والجماعة فأثبتوا أن أفعاله تعالى أزلية أبدية وأن ذلك مقتضى اتصافه جل شأنه بصفات الكمال فكانوا بذلك أعمق الناس إيماناً وأسدهم عقولاً وافقوا الحق ووفقوا بين العقل والنقل دون إيغال ولا تكلف ولم يتخلوا عن بعض الحق من أجل إثبات بعضه الآخر. وحسبك بأمثال الإمام أحمد وابن المبارك والبخاري والدارمي علماً وفهماً.