وأنتم تقولون: لم يكن فاعلاً لشيء من مقدوراته في الأزل مع كونه قادراً، بل تقولون: إنه يمتنع وجود مقدوره في الأزل مع كونه قادراً عليه.
وإذا كان هذا قولكم فلأن لا يجب وجود المقبول في الأزل بطريق الأولى والأحرى، فإن هذا المقبول مقدور لا يوجد إلا بقدرته، وأنتم تجوزون وجود قادر مع امتناع مقدوره في حال كونه قادراً]
ثم نقول: إن كان القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده لزم تسلسل الحوادث، وتسلسل الحوادث إن كان ممكناً كان القول الصحيح قول أهل الحديث الذين يقولون: لم يزل متكلماً إذا شاء كما قاله ابن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما من أئمة السنة.
وإن لم يكن جائزاً [أمكن أن يقوم به الحادث بعد أن لم يكن قائماً به، كما يفعل الحوادث بعد أن لم يكن فاعلاً لها] وكان قولنا هو الصحيح، فقولكم أنتم باطل على [كلا] التقديرين.
فإن قلتم لنا: أنتم توافقونا على امتناع تسلسل الحوادث، وهو حجتنا وحجتكم على [نفى] قدم العالم.
قلنا لكم: موافقتنا لكم حجة جدلية، وإذا كنا قد قلنا بامتناع تسلسل الحوادث موافقة لكم، وقلنا بأن القابل للشيء قد يخلو عنه وعن ضده مخالفة لكم. وأنتم تقولون: إن قبل الحوادث لزم تسلسلها وأنتم لا تقولون بذلك.
قلنا: إن صحت هاتان المقدمتان - ونحن لا نقول بموجبهما - لزم خطؤنا: إما في هذه وإما في هذه. وليس خطؤنا فيما سلمناه لكم بأولى من خطئنا فيما خالفناكم فيه، فقد يكون خطؤنا في منع تسلسل الحوادث لا في قولنا: إن