والخلاف بين الزعماء ورجال القبائل١, عُيِّن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي واليا "في صفر ١١٢هـ"، وهذه هي ولايته الثانية، وكان من أعظم قواد المسلمين في الأندلس عدلا وصلاحا وقدرة وكفاءة، وقد قضى ما يقرب من عام نظم خلاله شئون البلاد، ثم أعلن الجهاد ضد الفرنجة، وكون جيشا هائلا يتراوح عدده ما بين سبعين ألفا ومائة ألف، جلهم من البربر.
وفي أوائل سنة ١١٤هـ/ ٧٣٢م سار الغافقي بجيوشه نحو الشمال، وعبر جبال "ألبرت" من طريق "بنبلونة" متجها إلى دوقية "أكيتانية" أعظم ولايات غالة في ذلك الوقت فاكتسحها، ودخل عاصمتها "برديل" عنوة، ثم واصل زحفه حتى أشرف بجيشه على نهر "اللوار" واستولى على مدينتي "بواتييه" و"تور"، وما كاد يخرج الجيش الإسلامي من "بواتييه" في طريقه نحو باريس حتى فوجئ عبد الرحمن الغافقي بوصول جيش هائل من الفرنج والمرتزقة يقوده "شارل مارتن""قارله".
وعلى بعد عشرين كيلومترا شمال "بواتييه" في الطريق إلى "تور" جنوبي مجرى اللوار في موضع قريب من طريق روماني قديم هو المسمى "بالبلاط", حدثت المعركة الكبرى بين الجيشين في أواخر شعبان ١١٤هـ/ أكتوبر ٧٣٢م.
وقد تكون هذه المعركة وقعت بالقرب من موضع يطلق عليه اليوم اسم "مواسيه لاباتاي" Moussais la bataille. وتصمت المصادر العربية عن ذكر تفاصيل هذه الموقعة الفاصلة، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أنها كانت كارثة على جيش المسلمين، بحيث نفر قدامى المؤرخين من مجرد ذكرها، فاندرجت أخبارها في زوايا النسيان.
وقد استمرت المعركة ثمانية أيام، مما يدل على أنها كانت معركة حامية. والحق أن كلا من الجانبين بذل أقصى وسعه في القتال، وصبر المسلمون صبرا طويلا حتى تجمعت عليهم قوات نصرانية من كل ناحية، ولم يقتصر الأمر على الفرنجة، بل انضم إليهم كثيرون من أجناس أخرى "ألمان، وسُواف، وسكسون". وآخر مراحل المعركة كان هجوما عنيفا على مؤخرة الجيش الإسلامي، فانتهبت الغنائم، وتزعزع