للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثالثا: فتوح المغرب والأندلس وبلاد غالة "جنوب فرنسا"]

[طبيعة الفتح الإسلامي لبلاد المغرب]

وقبل المضي قدما في الحديث عن المراحل التي مر بها الفتح الإسلامي لبلاد المغرب نود أن نسجل ملاحظة على قدر كبير من الأهمية تتعلق بطبيعة الفتح الإسلامي لبلاد المغرب، وهي أن الجبهة المغربية كانت من أعنف جبهات القتال وأصعبها في مسلسل حركة الفتوحات العربية الإسلامية. فقد استغرقت عمليات الفتح في بلاد المغرب حوالي سبين سنة متوالية "٢١-٩٠هـ/ ٦٤٢-٧٠٨م".

لقي فيها المسلمون من الجهد والخسائر ما لم يلقوا مثله في فتح إقليم آخر. وهذه الفترة الزمنية تعد فترة طويلة إذا ما قورنت بالمدة القصيرة التي تم فيها فتح بلاد الشام والعراق ومصر وبلاد فارس، والتي لم تزد عن عشر سنوات فقط على الرغم من اتساع هذه البلاد وكثرة مدنها وسكانها، ووقوع معارك قاسية وكبيرة واجهها المسلمون هنا، مثل "نهاوند" و"القادسية" و"اليرموك" وغيرها١. فما هي الأسباب؟

يمكن تلخيص الأسباب في النقاط التالية:

١- طبيعة بلاد المغرب الجبلية، ووعورة مسالكها، وشدة مراس أهلها "من البربر" في القتال، وصمودهم في المقاومة في بداية الأمر قبل معرفتهم بأهداف الفتح الإسلامي. وقد كان لغلبة الطبيعة الجبلية الوعرة، وبعد المسافات بين المراكز العمرانية المختلفة، وصعوبة الاتصال فيما بينهما أثر عميق في حياة السكان، حيث طبعتهم بطابع الخشونة والشجاعة، وأكسبتهم حدة المقاومة، والصبر على القتال والمواجهة، فتميزوا عن العرب، وأوقعوا الهزيمة بهم في أكثر من معركة، بل وصرعوا بعض قادتهم، مثل عقبة بن نافع، وأبي المهاجر دينار "سنة ٦٤هـ".

وقد كان سكان المغرب من الكثرة والتنوع بحيث لم يكن من الميسور إخضاعهم في مدة يسيرة؛ لأنهم -وكما يقول "حسان بن النعمان" أحد قادة الفتح "وكان واليا


١ راجع: فتح العرب للمغرب، للدكتور حسين مؤنس ص"٢٦٨، ٢٦٩"، فجر الأندلس "للمؤلف نفسه" ص"٣٥"، تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس، للدكتور السيد عبد العزيز سالم ص"٢٥".

<<  <   >  >>