أدرك معاوية -مؤسس الدولة الأموية- أثناء فترة ولايته الطويلة على الشام، والتي احتك فيها عن قرب بالوم البيزنطيين -أن قوتهم البحرية هي العامل ذو الأثر القوي في بقائهم كدولة، ثم إنه أدرك- أثناء اشتراكه في فتح مدن الشام الساحلية -مدى خطر المحاولات الهجومية البحرية التي تقوم بها الأساطيل البيزنطية لاسترداد تلك المدن المفتوحة، والتي كانت تنطلق من قواعد الروم البحرية. ومن هنا رأى معاوية أنه من الضروري أن يمتلك المسلمون قوة بحرية تمكنهم من الدفاع عن الشواطئ التي امتلكوها، بل وعدم الاكتفاء بالسياسة الدفاعية المتمثلة في وضع حاميات على الشواطئ لصد الهجمات البحرية البيزنطية واستبدالها بسياسة هجومية تعتمد على أسطول إسلامي قوي يقف من الأسطول البيزنطي موقف الند، وتكون مهمته -ليس انتظار هجمات البيزنطين لصدها- وإنما المبادرة بالاستيلاء على جزر البحر المتوسط التابعة للبيزنطيين.
وقد رفع معاوية -رضي الله عنه- أثناء ولايته على الشام- الأمر إلى الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، شارحا له أهمية هذا التوجه؛ لأنه عاني في فتح مدن الشام الساحلية عناء شديدا بسبب وجود الأسطول البيزنطي. غير أن عمر -رضي الله عنه- رفض الفكرة، خوفا على المسلمين من أهوال البحار، إذ لم يكن لهم خبرة بالحروب البحرية، بل هم أهل صحراء. ورأى أيضا أن الوقت لا يزال مبكرا للدخول في ذلك الميدان الخطر. واكتفى عمر -رضي الله عنه- بأن يقوم معاوية بتحصين الشواطئ بالحصون، وأن يملأها بالمقاتلين والمرابطين.
وفي خلافة عثمان -رضي الله عنه- "٢٤-٣٥هـ" رفع إليه معاوية طلبه القديم بإنشاء أسطول بحري، فرفض عثمان في أول أمر، لكنه عاد فوافق بعدما اقتنع بأهمية المشروع، لكنه اشترط أن يكون الجهاد البحري تطوعا، ولا يكره عليه أحد. وعلى الفور بدأ معاوية في تحقيق سياسته ومشروعه، فشرع في بناء الأسطول، مستغلا كل الإمكانات الموجودة في مصر والشام لصناعة السفن١، ولم تمض أربع سنوات حتى
١ راجع: العصر الأموي للدكتور عبد الشافي عبد اللطيف "الجزء الثاني من موسو عة سفير للتاريخ الإسلامي ص٢٣". وراجع: الكامل في التاريخ لابن الأثير "٢/ ٤٨٨".