للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يفكر في تأمين حدود مصر الغربية، فواصل السير إلى أن وصل "برقة"، وذلك في أواخر "سنة ٢١هـ/ ٦٤٢م"، فصالح أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار يؤدونها جزية١ في كل عام "دينار على كل حالم"٢.

وقد كانت "برقة" تابعة لمصر من أيام الاحتلال الروماني والبيزنطي، ولذا أقدم عمرو بن العاص على فتحها؛ لأنه يعتبرها مصرية. وبهذا يمكن إخراج فتح "برقة" من فتوح "إفريقية"، واعتبار فتحها إتماا لفتح مصر، ووقوفا عند حدها الغربي٣.

ولم يكن هدف عمرو بن العاص قاصرا على تأمين حدود مصر الغربية والقضاء على قوة البيزنطيين في ذلك الجانب فحسب، وإنما كانت تحثه دوافع الجهاد الإسلامي من أجل مواصلة نشر الإسلام. فبعد أن انتهى من فتح "برقة" بدأ في الاستعداد لفتح "طرابلس"، ولكن كان لا بد أن يؤمن خط العودة، خشية أن يؤتى من قبل السكان المقيمين في الواحات الداخلية، ومن هناك أدرك ضرورة تقسيم جيشه إلى فرقتين: إحداهما بقيادة تتجه إلى "طرابلس"، والثانية بقيادة عقبة بن نافع الفهري -وكان يومئذ قائدا صغيرا في جيش عمرو- لتتجه إلى المناطق الداخلية٤.

أما عقبة فلم يجد مقاوم تذكر حتى وصل إلى "زويلة"٥، وفتحها بالصلح على ثلاث عشرة ألف دينار٦، وأقام في هذه النواحي الصحراوية المنعزلة نحو عشرين سنة يدعو إلى الإسلام٧، ويضرب لأهلها المثل الجميل للمسلمين الصادق المتفاني في دينه، واستطاع أن يكسب إلى جانبه قلوب الكثير من أهلها، ومعظمهم من قبائل "نفوسة" و"لواتة" و"نفزاوة"، وهم من البربر "البتر"٨.


١ فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم ص"١٧٠".
٢ البيان المغرب لابن عذارى ج١ ص"٩".
٣ د. طاهر راغب: التطور السياسي للمغرب من الفتح إلى آخر القرن العاشر الهجري ص"١٤". ومن الجدير بالذكر أن "برقة" استمرت تحت الإدارة المصرية مدة طويلة أيام الخلفاء الراشدين، في الدولة الأموية، ومدة طويلة من الدولة العباسية.
٤ د. محمد عبد الحميد عيسى: دراسات أندلسية -ص "١١"، د. حسين مؤنس: فتح العرب للمغرب ص"٥٩".
٥ زويلة: مدينة غير مسورة في وسط الصحراء، وهي أول حدود السودان القديم "معجم البلدان "٣/ ١٦٠".
٦ تاريخ الطبري "٤/ ١٤٤"، الكامل في التاريخ لابن الأثير "٢/ ٤٢٣".
٧ وذلك قبل أن يقود حملته الأولى لفتح إفريقية "سنة ٥٠هـ" ويؤسس هناك مدينة "القيروان".
٨ راجع: فجر الأندلس للدكتور حسين مؤنس ص"٣٧"، تاريخ المغرب العربي للدكتور سعد زغلول عبد الحميد، ج١، ص"٨٣-٨٧"، وانظر: فتح مصر والمغرب لابن عبد الحكم، ص"١٧١".

<<  <   >  >>