وقبل أن يبدأ القتال دارت المفاوضات بين الطرفين، وعرض المسلمون شروطهم وهي: الإسلام، أو دفع الجزية والخضوع للمسلمين، أو القتال، فامتنع "جريجوريوس" من قبول أي من هذه الشروط، وفشلت المفاوضات، وفشل معها الحل السلمي، ولم يعد أمام الفريقين إلا القتال١.
أما تفاصيل معركة "سبيطلة" فالحديث عنها يطول. ويمكن تلخيص مجريات الأحداث في أن هذه المعركة بدأت في حصن "عقوبة" بمناوشات متفرقة بين الجانبين، واستمرت الحرب سجالا دون طائل، وكان القتال يدور يوميا نهارا من الصباح إلى وقت الظهر، ثم ترجع كل طائفة إلى معسكرها، فلا يستأنفون القتال إلا في اليوم التالي. وحينما أوشك المسلمون أن ييئسوا من الانتصار، ودخلهم الخوف -لحصانة الموقع، وكثرة جند الروم التي قيل إنها بلغت مائة وعشرين "١٢٠" ألف رجل "قد رفعوا الصليب، وعليهم من السلاح ما الله أعلم به، وفيهم من الخيل ما لا يحصى""كما يقول الرواة"- أقل مددة من المدينة بقيادة عبد الله بن الزبير، كان له أثر كبير في تحقيق النصر للمسلمين. ذلك أن ابن الزبير اكتشف أن طريقة القتال تلك لن تحقق نجاحا، فعرض على القائد عبد الله بن سعد بن أبي سرح خطة جديدة؛ قال:"إن أمرنا يطول مع هؤلاء، وهم في أمداد متصلة، وبلاد هي لهم، ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم، وقد رأيت أن تترك غدا جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين، ونقاتل نحن الروم في باقي العسكر، إلى أن يضجروا ويملوا، فإذا رجعوا إلى خيامهم، ورجع المسلمون، ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون، ونقصدهم على غرة، ولعل الله ينصرنا عليهم".
نجحت هذه الخطة، وثارت الكمائن بالروم، فانهزموا، وقتل منهم أعداد كبيرة، وقتل ملكهم "جريجوريوس" -قتله عبد الله بن الزبير- وأسرت ابنته. ثم ضرب ابن أبي سرح الحصار على مدينة سبيطلة" نفسها بعد أن منع المنهزمين من الاعتصام بها، فسقطت بسهولة، وأسفر الأمر عن فوز المسلمين بمغانم كثيرة، وثروة طائلة،