للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتوحات قتيبة بن مسلم في بلاد ما وراء النهر:

أما المرحلة الحاسمة في الفتح والاستقرار فقد بدأت مع تسلم "قتيبة بن مسلم الباهلي" قيادة جيوش الفتح وولاية إقليم خراسان وبلاد الشرق "سنة ٨٥هـ" وظل واليا عليها إلى سنة "٩٩هـ"، وقد كانت الظروف مواتية له تماما، فالدولة الأموية كانت عندئذ في أحسن حالاتها استقرارا وهدوءا وثراء عريضا، فاجتمع لقتيبة مهارة القائد وعزم الوالي "الحجاج بن يوسف الثقفي" وتشجيعه، وقوة الدولة وهيبتها، فكانت فتوحاته العظيمة في بلاد "ما وراء النهر".

ولم يكن "قتيبة" قائدا عسكريا فحسب، بل كان إلى جانب ذلك رجل دولة، وصانع سياسة، وواضع نظم وإدارة، فعمل بعد تسلمه أمور الولاية على القضاء على الخلافات العصبية التي كانت تعصف بالقبائل العربية في "خراسان"، من جراء التنافس على الولايات، وجمع زعماءهم على كلمة واحدة تحت الجهاد، كما أنه عمل على كسب ثقة أهل "خراسان" الأصليين، فأحسن إليهم، وقربهم، وعهد إليهم بالوظائف، فاطمأن الجميع إليه، ووثقوا به وبقيادته١.

سار قتيبة على نفس الخطة التي سار عليها آل المهلب، وهي خطة الضربات السريعة المتلاحقة على الأعداء، فلا يترك لهم وقت للتجميع، غير أنه امتاز على المهالبة بأنه كان يضع لكل حملة خطة ثابتة، ويحدد لها وجهة معينة، ويجتهد في الوصول إلى ما يقصده، غير عابئ بالمصاعب، معتمدا على الله عز وجل، ثم على بسالته النادرة، وروح القيادة التي امتاز بها، وإيمانه العميق بالإسلام.

ولقد مرت خطوات "قتيبة" في فتح تلك البلاد -على مدى عشر سنوات "٨٦-٩٦هـ"- عبر مراحل أربع، حقق في كل منها فتح ناحية واسعة فتحا نهائيا، وثبت أقدام المسلمين والإسلام فيها. وهذه المراحل هي٢:


١ د. عبد الشافي محمد عبد اللطيف: العصر الأموي "الجزء الثاني من موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي- ص٣٠-٣١".
٢ راجع: د. عبد الشافي محمد عبد اللطيف: العصر الأموي "موسوعة سفير ٢/ ٣١". أطلس تاريخ الإسلام للدكتور حسين مؤنس "ص١٣١".

<<  <   >  >>