للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترفض الاعتراف بهذا التأثير الأجنبي، يقول الدكتور محمد التونجي١: "أغلب الصور جاء وصفًا للمظاهر الخارجية شكلًا ولونًا نابعًا من معطيات فكرهم، ولا وجود فيه للتأثير بأية صورة أجنبية عن الجزيرة العربية".

وثمة رأي وسط يقول: "إن التأثير كان محدودًا وضئيلًا، ولم يظهر بوضوح إلّا في شعر بعض الشعراء الذين احتكّوا بغيرهم"٢ ويتفق معه في الرأي بالدكتور عثمان موافي٣, فيرى بأن سبل التأثير محدودة وهي تتمثَّل في: بعض الأمثال والحكم وبعض الحوادث التاريخية، وبعض الألفاظ.

ولا نجد من قال أن أبواب التأثر كانت مفتوحة على مصاريعها، وإنما وجدنا من العصر العباسي من قال بالتأثر، فقد ذكر الجاحظ٤ أن أهل المدينة قد تأثروا بالفارسية بسبب استقرار بعض الجاهليات الفارسية منذ زمن سحيق.

ولم أورد هذه النماذج من الآراء المتناقضة إلّا على سبيل الاستشهاد، فلم تخل دراسة إلّا وعرضت لهذه القضية. وهي متصلة بالخشية من الانتقاض من الأصالة الكمال في الوقت نفسه، ودليل ذلك أنها قديمة. ولكن المستشرقين الذين ذكرنا طرفًا من آرائهم قتلوا هذه القضية بحثًا، وكان لديهم شبه إجماع على تاكيد هذا التأثر، وقد برّروه بوجود الديانتين السماويتين في الجزيرة، ويدين بهما بعض العرب، وكذلك بوجود إمارتي المناذرة والغساسنة على الحدود, ونفوذهما السياسي والاقتصادي، وكذا وجود طرق القوافل التجارية مع وسط آسيا. ونجد بحوثًا عديدة منها مكتوبة بلغاتهم المختلفة, وربما كان لكتاباتهم ردة فعل لدى العرب، فاعتقدوا بأن المستشرقين قصدوا بيان اعتماد العرب على غيرهم، والانتقاص من عزتهم القومية، فتصدو لهم.

ونتوقف قليلًا لنناقش هذه القضية، فأوّل ما نقرره أن عزلة أمة من الأمم، أو شعب من الشعوب ليس مجال فخر له، وإن عدم أخذه عن غيره أو إعطاء غيره ليس


١ دراسات في الأدب الجاهلي، حلب، ١٩٨٠م، ص٩٧.
٢ جورجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، ٣/ ٢٨.
٣ التيارات الأجنبية في الشعر العربي منذ العصر العباسي حتى نهاية القرن الثالث، مؤسسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية، ١٩٧٢م، ص١٦١ وما بعدها.
٤ الحيوان بتحقيق عبد السلام هارون ١/ ٣٤.

<<  <   >  >>