مزية تحسب له, ولقد ثبت بالدليل القاطع بما ورد في كتب التاريخ والسير والتفسير والحديث الشريف وكتاب الله أن العرب اتصلوا بغيرهم، حتى أن بعضهم أصنامهم جلبت من البلقاء، كما ثبت أن كثيرين منهم عرفوا اللغة الفارسية والحبشية وغيرهما، وثبت أيضًا أنهم كانوا يتاجرون مع غيرهم من خارج الجزيرة العربية.
وإذن فقضية الاتصال بغيرهم واضحة كل الوضوح، والاتصال يعني تأثرًا وتاثيرًا حسب الحاجة وحسب المستوى الثقافي والحضاري للشعبين المتصلين ببعضهما بعضًا.
والأدب بشعره ونثره من نتاج نفرٍ من أهله يعبر عن أحاسيسهم، ومشكلاتهم، وتناقضات مجعتمهم، وأحلامهم، وهمومهم، واللغة أداته، فكيف بعد هذا كله ننكر الاتصال والتأثر والتأثير؟ كيف ننكره والمنطق السليم والشواهد والأدلة المادية تؤكده؟
ويبقى بعد ذلك فيم كان التأثر؟ ذلك سؤال لا نستطيع الإجابة عنه بجملة أو سطر أو صفحة، لأن ذلك يتطلب ما يلي:
١- يتطلب أولًا معرفة بلغة وحضارة الأمم التي اتصل بها العرب، وبعضها قد طمس.
٢- ويتطلب ثانيًا مسحًا لشعر الجاهليين ونثرهم والتقاط شواهد على هذا التأثر.
ولا أعتقد أن باحثًا قد قام بمثل هذا العمل بعد، ولكن ما نجده إما إشارات لدى القدماء نستدل منها على وجود تأثر، أو نستقرئ ديوانًا أو نصًّا فنستنتج التأثر.
تلك هي القضايا الشائكة التي لم يتفق الباحثون على رأي موحَّد بشأنها، وإن تقاربت وجهات نظر بعضهم، لكن فجوة كبيرة تفصل بين فريقين منهم على الأقل: أحدهما في أقصى اليمين، والآخر في أقصى اليسار، ولكنها قضايا كان لها أثر فعال في تنويع دراسة الأدب الجاهلي وتعدد مناهجه، ولم تكن عاملًا معوقًا في تقدم درس الأدب الجاهلي, وبعض هذه القضايا أصبح الآن قضية ندرسها لتأريخ ذلك الأدب؛ كقضية الانتحال وعمر الشعر الجاهلي، ولكن القضايا الأخرى ما زال الجدل محتدمًا لتأييد وجهة النظر هذه أو تلك.
ولكن ثمة قضايا نستطيع أن نسميها بالمصطلح المعاصر قضايا ساخنة؛ لأنها تؤثِّر في دراسة وتحليل النص الشعري الجاهلي، وتفرز نتائج تقود إلى حل كثير