للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان قد تخللته حالات قليلة من العمل الوصفي فإنها لم تعد أن تكون نشاطًا جزئيًّا لا يكاد يفضي إلى نظرية متكاملة.

والفرق فيما بين النقد المعياري والنقد الوصفي أنَّ الأول هو النقد الذي يصدر فيه الناقد عن مجموعة من المعايير التي يستند إليها ما ينتهي إليه من أحكام، وهي إما أن تكون متصلة بالنص الأدبي نفسه، وهي المعايير الجمالية، وإما أن تكون مستندة إلى الواقع مشتقة منه، أي: من الأعراف والتقاليد والقيم العامة السائدة, وقد كان النقد العربي القديم في تخليه عن المعيار الأخلاقي, وأحيانًا إنما كان في حقيقته تخليًّا عن المستوى السلوكي أساسًا.

ويعيب إبراهيم عبد الرحمن١ على أكثر الدراسين انصرافهم إلى العناية بالجوانب التاريخية والموضوعية وحدها دون أن يفطنوا إلى حقيقة هامة، وهي أن شروح اللغويين القدامى للشعر الجاهلي هي ثمرة عقلية إسلامية شرحته من خلال دراسات لغوية معاصرة لتلك الفترة، وحرصت على الاحتفاظ له بشيء غير قليل من القداسة اللغوية والفنية, وتجلى اتجاههم هذا بوضوح في مفهومهم البلاغي للصورة في الشعر الجاهلي، فأغفلوا الحديث عن أصولها الدينية القديمة، وألحوا لطمس هذه الأصول على خلق وجوه شبه مادية وحسية بين عناصر هذه الصور، أو قل: بين أطرافها المتنافرة.

ويؤكد ذلك ثانية حينما يقرر في دراسة أخرى٢ أن الهدف منها الكشف عن جوانب القصور في فهم الشعر القديم في سياقه الأدبي ودلالته الحضارية، ويخصصها لفحص أصلين من أصول الشعر القديم هما: الأغراض والموسيقى, حيث تمثل الأغراض الجانب الموضوعي من أصل القصيدة القديمة، بينما تمثل الموسيقى أحد الجوانب الشكلية فيها.

وينعي الدكتور لطفي بعد البديع٣ على الدراسين بأن كتبهم قد طفحت بكل شيء إلّا الشعر والأدب، فقد توارى الشعر بين ركام الأخبار، وتراجم الشعراء، والأحكام التي يتناقلها الخلف عن السلف، ثم لا يكون من وراء ذلك شيء، كما


١ من أصول الشعر العربي القديم، مجلة فصول، مجلد٤، عدد٢ "١٩٨٤"، ص٢٤-٤١.
٢ التفسير الأسطوري للشعر الجاهلي، فصول، العدد الثالث "١٩٨١"، ص٩٢٧-٩٤٠.
٣ الشعر واللغة، مكتبة النهضة المصرية، ١٩٦٩م، ص١.

<<  <   >  >>