الصورة, يرى أن الاقتصاد في اللغة ألفاظًا وأساليب قد حمل الشعراء على إيثار الأسلوب التصويري في التعبير عن معانيهم؛ بحيث صارت الصورة الشعرية أصلًا من أصول الشعر الجاهلي، وكان هدف الشاعر من بناء هذه الصورة التعبير من خلالها عن قضاياه وأحاسيسه ومواقفه من الحياة والناس من حوله، لذا فقد غلب التعبير الرمزي على التعبير المباشر، وعلا الشعر الجاهلي على الواقع الحقيقي, ليصبح من خلال هذه الصورة بناءً لغويًّا حافلًا بالرموز والمعاني، ويستشهد بمعلقة أمرئ القيس وحائية عبيد بن الأبرص.
ويعتقد الباحث أننا لو أحسنّا الالتفات إلى العناصر المتقابلة التي يجمع بينها الشاعر في هذه الصور المركزة والمتراكمة: عناصر البقاء والفناء، وما يتصل بها من صور الصيد والضوء والمطر والحمل والولادة، فإن ذلك يقودنا إلى الكشف عن عوالم الشعروتفسيرها، وإن فهم الشعر الجاهلي لا يتأتى إلّا بفهم هذا الأسلوب التصويري, وتحليل صوره المركزة تحليلًا يكشف عن أمرين: أولهما: الأصول الميثولوجية التي نبعت منها، وثانيهما: يبرز تلك العلاقات الخفية التي كان يقيمها الشاعر الجاهلي بين عناصر الصورة ومكوناتها المختلفة، وبين مواقفه أو فلسفته في الحياة وظواهرها المتناقضة في بيئته.
ولتحقيق الغاية من الفهم والتفسير يرى أنه ينبغي أن ندخل إلى دراسة الشعر الجاهلي خاصَّة بهذه الملاحظات العامَّة على طبيعة الأسلوب التصويري:
١- غلبة الأسلوب التصويري على موضوعاتٍ بعينها تردد في قصائده على اختلاف أغراضها.
٢- في جميع صور الشعر على كثرتها تردد أو تتكرر عناصر لغوية موضوعية وروحية واحدة، كأنها كانت لدى الشعراء بمثابة الشعائر المقدَّسة التي وكِّل إليهم تلاوتها.
٣- إن أطراف هذه الصورة وعناصرها المتقابلة تتداخل في الموضوعات المختلفة فيما بينها تداخلًا شديدًا.
٤- هذه الموضوعات المختلفة التي استأثرت بالأسلوب التصويري هي التي تشكِّل عناصر الهيكل العام الذي حققته القصيدة الجاهلية، ومن ثَمَّ فقد جعلت من هذا الهيكل بناءً رمزيًّا متكاملًا متنوع الأدوات والوسائل والغايات.