للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التركيبة اللغوية للشعر الجاهلي في جوانبها الدلالية والنحوية والإشارية لا يتأتى للدارس إلّا بتطبيق منهجين معروفين في الدراسات اللغوية والنحوية تطبيقًا صارمًا, وهما: المنهج اللغوي المقارن، والكشف عن خبايا هذا العالم الأسطوري الذي انبثقت منه الميثولوجيا الدينية عند العرب، وهو لا يخوض في المنهج الأول لعدم الدراية الواسعة.

أما المنهج الثاني: هو "الميثولوجيا الوثنية الجاهلية", فإنه يرى أننا نواجه ظلامًا دامسًا حرص القدامى جميعًا على طمسه طمسًا كاملًا، ولم يشذّ عن هذا السلوك سوى: "عبيد بن شريه" و"ابن الكلبي", ومن ثَمَّ فإنه يتجه إلى النقوش العربية القديمة التي ظفرت بعناية الدراسين الأوربيين منذ القرن التاسع عشر. وتتميّز فترتان دينيتان في الجاهلية: مرحلة الشرك، أو مرحلة عبادة الظواهر والكائنات، والثانية مرحلة التجريد, أو الاتجاه إلى التوحيد. وقد رمزوا لآلهتهم في المرحلتين بالأوثان التي تعددت واختلفت من قبيلة إلى أخرى, وعبادة الأوثان هذه انتقلت إلى العرب من الأمم المجاورة, مما يؤكد تأثرهم في عبادتهم بديانات الأمم الأخرى المجاورة.

ويؤكد أن الميل إلى التوحيد أخذ يغزو العقلية العربية في أواخر العصر الجاهلي، ودليله أن نصوص الشعر الجاهلي في الفترة المتأخرة القريبة من الإسلام "عن زهير والأعشى" زخرت بعقيدة الإله الواحد، مما حدا بالرواة إلى التشكيك في صحة هذا الشعر، وعزوا ذلك إلى عمل الرواة المسلمين في تنقية الشعر من آثار الوثنية القديمة. وأما المكان الذي ظهرت فيه مثل هذه النصوص التوحيدية فهو جنوب الجزيرة العربية.

وقد اتخذت عبادات الجاهليين في هذا الطور شكلًا بعينه, هو شكل ديانات الشعوب المجاورة، وهو عبادة الكواكب التي تتألف من ثالوث سماوي: القمر، الشمس، الزهرة، وقد رمز الجاهليون للقمر بالثور، وللشمس بالمرأة العارية الفرس والغزالة والمهاة والنخلة، وللزهرة بالعزى، وقد خلص الباحث إلى أن هذا العالم الأسطوري بحيوانه ونباته وإنسانه وتماثيله قد اتخذ في هذا العصر من خلال التصور الديني ثلاثة مستويات منفصلة ماديًا, ومتصلة اتصالًا وثيقًا من الناحيتين الأسطورية والروحية.

١- المستوى الأول: مادي، هو عالم النجوم البعيد، حيث تعيش هذه الآلهة التي تعبد إلهًا في أطوار مختلفة من الحياة الجاهلية الدينية.

<<  <   >  >>