للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العامة لمنهج نقدي جديد يكون أغنى مردودًا، وأعمق قدرة على إضاءة بنية القصيدة من المناهج السابقة، وهذا المنهج يفيد من النظريات النقدية الحديثة ومن البنيوية، وبشكل خاصٍّ من منهج التحلل البنيوي للأسطورة كما طوره واستخدمه كلود ليفي شتراوس. يلي ذلك تحليل تطبيقي يمثل نموذجًا لاستخدام المنهج المطوّر لواحدة من القصائد الرئيسية في التراث هي معلقة لبيد, ويؤكد من جديد بأن التحليل الذي يقدمه يمثل عملًا في طريق الإنجاز قد يستغرق تبلور نتائجه النائية عددًا من السنين، لا آراء نهائية في صياغتها.

وقد اختار معلقة لبيد لاعتقاده بأن رؤياها الأساسية للوجود تحتل مكانًا مركزيًّا في الشعر الجاهلي كله، ولكونها بينويًّا، إحدى أكثر قصائد التراث تشابكًا وتعقيدًا أو غنًى، ويعد بأنه لن يتبع منهج ليفي شتراوس بشكل أعمى، بل إنه يتبنى بعض مبادئه النظرية الجوهرية، وبعض المصطلحات، وتعدل أحيانًا تعديلًا طفيفًا, وعلى العكس من شتراوس فإن الباحث يميل إلى الاعتقاد بأن عدد كبيرًا من القصائد يمتلك وحدة خبيئة تبقى لتدرك عبر عمليات تحليل تختلف درجة عمقها، ولذا فإن ذلك يعني أن تعاين كل قصيدة مفردة معاينة مستقلة متعمقة.

وفي هذه الدراسة، معلقة لبيد، يصوغ نظرية حول بنية القصيدة الجاهلية, وتوصل إليها بعد تحليل مائة وخمسين قصيدة جاهلية، وملخص هذه النظرية:

إن تيارين من التجارب الجذرية يشكلان ثنائية ضدية:

أ- التيار الأول: وحيد البعد, يتدفق من الذات في مسار لا يتغير، مجسدًا انفجارًا انفعاليًّا يكاد أن يكون لا زمنيًّا أو خارجًا عن السيطرة لا يكبح.

ب- التيار الثاني: تيار متعدد الأبعاد, أو هو بالأحرى نقطة التقاء ومصبٍّ لروافد متعددة، لتيارت تتفاعل وتتواشج, ويكتمل التبلور النهائي لهذا النمط في سياق زمني, ويجسد عملية خلق للفاعليات المعاكسة، وتحقيق التوازن بين الأضداد في الوعي.

أما التيار الأول: فيجسد في سيطرة نبض واحد وحالة انفعالية مفردة, هما خصيصتان مميزتان لأنماط شعرية مثل: الهجاء، وشعر الحب، وبعض الخمريات، والقطع الوصفية الصغيرة.

وأما الثاني: فيمثل مستوى من التجربة أكثر جذرية وعمقًا في دلالاته الوجودية

<<  <   >  >>