للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أبنائه؛ لأنهم لم يفرقوا بين الأوراق التي ينبغي لها أن ترث في الأرض وبين النسغ الذي يمد الشجرة بأسباب الغذاء والنماء١، أما دراسة المستشرقين لتراثنا فتسودها خرافات تبسيطية يمليها الشعور بالتفوق وتأكيد خصوصية حضارية معينة، مضافًا إلى ذلك أحيانًا نزعية معاكسة تميل إلى تجميد مبالغ فيه لخصوصيات الحضارة غير العربية لأهداف معينة وفق مستهدف دراساتهم بتحويل الاستشراق لديهم إلى اختصاص نوعي ينتهي أحيانًا إلى أبحاث نعيه في عمومية الإنسان٢.

ويبرر الباحث قصور دراسات المستشرقين عمَّا يروم أبناء العربية بعدم الشعور بالانتماء الحضاري إلى تراثنا, وعدم الشعور بالتبعية تجاهه. ويقارن بين الباحث العربي والمستشرق بأن الباحث العربي يتناول حضارته وتراثه لتكون جوابًا عن حاجة أساسية في حياته يقتضيها سياق تطوره كما تقتضيها رغبته في إيجاد مرتكز لشخصيته ووجوده كسبيل لاستعادة جوهره٣.

ولقد أحدث الفكر الأوربي صدمة عندما اتصل المثقفون العرب به؛ لأن الفكر العربي لم يكن يقوم على أرضية صلبة، ولذا فقد انقسم المثقفون إلى فئتين: فئة أمعنت في الاسترسال مع الفكر الأوربي التماسًا للتغلُّب على الشعور بالنقص واستعجالًا للنتائج، وفئة حاولت التغلب على ذلك الشعور بالنقص بأخذ حقنة اعتزاز تعلل النفس بها, وهذه الفئة الثانية لجأت إلى أسلحة كان لها خطرها على تراثنا؛ لأنها لجأت إلى التقريظ المفرط الذي كان له أثر في غربة الماضي عن الحاضر والمستقبل. أو تجميده في مقولة صوورية محددة سلفًا. وهكذا "ضاعت الحقيقة التي ينبغي الوقوف عندها؛ إذ لا يمكن لمجتمع أن يتجاوز تخلفه بذكر أمجاد ماضيه, بل بتحليل واعٍ لتلك الأمجاد كيف عاشت وارتقت, وكيف دبَّ الوهن فيها فتوقفت عن العطاء"٤.

وهكذا يحدد الباحث قصده من دراسته, فهو محاولة لتجديد الأفكار، أما السبيل فهو "المضي مع الباحثين الجادّين في ماضيهم عن قوام للذات وعن تعبير مطابق للمرحلة التي يعيشونها، وذلك بالتنخل في ضوء مفاهيم العصر من تراثنا ما


١ مدخل إلى الأدب الجاهلي ص٥، ٦.
٢ المرجع نفسه ص٦، ٧.
٣ مدخل إلى الأدب الجاهلي ص٧.
٤ مدخل إلى الأدب الجاهلي ص٩.

<<  <   >  >>