للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعبر عن حقيقة حضارتنا, والذي ما زال محتفظًا بغنى التعبير المطابق لحقيقة ذلك الماضي والمسعف على استمراريته، ومن ثَمَّ وضعه في إطاره التاريخي بوعي وشعور جديدين, من خلال موقف يقدر المسافة الزمنية التي تفصلنا عن الماضي ... لا لنتأمل حدود الزمن, بل لندخله في بناء المستقبل, ولا يتم ذلك إلّا بمعايشة وتحسس عمق التجربة الحضارية والإنسانية التي رافقت المجتمعات العربية والروح التي كانت تعمرها من خلال التعبير الأدبي الذي كان أوضح في مجاله من دنيا الفكر، وهي روح عربية كانت تعيش مخاضًا مستمرًا لتعبِّر عن ذاتها اجتماعيًّا، أي: سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا"١.

ويكشف الباحث عن منهجه النظري في الفصل الثاني "سبيل هذه الدراسة"٢, وخلاصته أن يربط الظاهرة الأدبية بالظاهرات الاجتماعية ربطًا غير آلي, بل يكون استجلاء للعلاقة الجدلية بين الأدب والمجتمع, ويعترف بأن للآداب والفنون قوانينها الخاصة التي تعمل جنبًا إلى جنب مع القوانين العامة عمل تكامل وتمايز؛ لأن الآداب والفنون ليست بمثابة الظلال والتوابع, وإنما هي بمثابة وجه من وجوه وعي الواقع والتعبير عنه, فهي منظومة اجتماعية كبقية المنظومات, تحدد صفاتها وسماتها تبعًا للدور المنوط بها في جملة الأدوار الاجتماعية المختلفة المتمايزة هي الأخرى، والمتكاملة. ويرى أن للأدب أكثر من تاريخ تبعًا للضوء الكاشف الذي يوجهه الباحث، ولكنه في تناوله الظاهرة الاجتماعية سيعتمد الظاهرة الأدبية من خلال التناظر بين البنيتين التحتية والفوقية، منوهًا أنه ليس ثمة تساوق تام بينهما.

وفي معرض حديثه عن المناهج الأخرى والدراسات الجديدة التي تناولت التراث يقول: إنه يلتقي معها لقاء تكامل لا لقاء تنافي، ويمضي كلٍّ منهما في طريق موازٍ للآخر دون أن يلتقيا, ومبتغاه التقاط المتميز من الأعمال الأدبية لا المتشابه، وذي الرنة الجديدة والإيقاع المحدث, أما عيار الاختيار هو استهداء الأديب بما يمثله أدبه أو شعره من وعي أو إحساس مطابق للواقع المتحول.

ويفرض موضوع الدراسة عليه أن يلتزم المقارنة بين واقع الأدب والأشكال الاجتماعية التي عايشها أو عاش في كنفها, واستخلاص العلائق المتبادلة فيما بينها.


١ المرج نفسه ص١١-١٢.
٢ المرجع نفسه ص١٣-٢٢.

<<  <   >  >>