للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودرس "الوحدة الحيوية"١ في القصيدة الجاهلية من خلال "همزية زهير" التي مطلعها:

عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء

وهو يرى أن الحكم الشائع في نقدنا الحديث على القصيدة الجاهلية بخلوها من الوحدة الفنية أو العضوية يحتاج إلى قدر من التعديل؛ لأنه يعتسّف في تطبيق المفهوم الغربي للوحدة على شعرنا القديم, والوحدة معناها أن يكون بين موضوعات القصيدة انسجام في العاطفة المسيطرة، وفي الاتجاه المركزي نحو حقائق الكون وتجارب الحياة٢.

وبعد أن يستعرض ألوانًا من الوحدة أطلقها باحثون؛ كالوحدة الفنية والوحدة العضوية والوحدة المعنوية, ويراها ليست متوفرة في القصيدة الجاهلية, يذهب إلى أن الموقف الوحيد السليم هو أن نحاول أولًا أن ننظر إليه بنظرة أهله، وأن نتذوقه بتذوقهم، وأن نستخرج منه المقاييس التي يحق لنا أن نطبقها عليه, وبمعنى آخر أن الشعر الجاهلي مستقل في وحدته عن المفاهيم الأخرى, ويقترح تسمية جديدة للشعر الجاهلي هي "الوحدة الحيوية", وفهمنا لحالة الشاعر الانفعالية هو المفتاح الذي سيدخلنا في مختلف أقسام قصيدته، وتعمقنا لها هو الذي سيحل لنا متناقضاتها العديدة، فيؤلف بينها في وحدة حيوية قوية، إذ يجلي لنا عاطفته المسيطرة المتحدية لكل ما تلقاه من هموم، المتصارعة مع ما يفرضه التقليد الشعري من الحزن في قسم النسيب، والغضب في قسم الهجاء٣.

ويرى في همزية زهير "تفككًا", ومرد التفكك يكمن في تعمق حالة الانفعالية؛ إذ إن التقليد الشعري يقتضيه أن يبدأ بفن النسيب الآسي الحزين، لكنه في صميمه أبعد الناس في هذا الآوان عن الأسى والحزن، فهو يتفجر مرحًا ونشاطًا واستبشارًا وتفاؤل شباب, فكيف يوفق بين النقيضين دون أن يقع في الكذب الفني٤؟.

والنشوة صفتهم العليا، والنشوة ميزة هذه القصيدة الأولى٥, ويعني نشوة


١ النويهي ٤٣٥-٥٢٨.
٢ نفسه ٤٣٥-٤٣٦.
٣ نفسه ٤١٥-٤٥٢.
٤ نفسه ٤٥٨.
٥ نفسه ٤٩٧.

<<  <   >  >>