للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الحصري: كان الملك يخبأ الذهب، وقد صار الآن الذهب يخبؤه.

آيا صوفيا: كنت بالأمس للذهب جامعا واليوم الذهب قد جمعك.

فهذه ستة أقوال تختلف في الصياغة اختلافا يقل أو يكثر، فأما أن يكون اختلافا ناشئا عن الترجمة نفسها وإما أن يكون ناشئا عن الرواية بالمعنى دون التقيد الدقيق في الألفاظ، والأمر الثاني مألوف بكثرة.

على أن تزايد تلك الأقوال واختلافها؟ وهما أمران مقترنان أحيانا - إنما نجما عن نوع من الوضع، غير متعمد، فهؤلاء المؤرخون الذين رووا هذه الأقوال لم يحاولوا الكذب، ولكن الحمل على المعنى جعل نوعا مما أثبتوه يشبه الوضع عن حسن نية: مثل ذلك جميع تلك الأقوال التي تقع بين قطبي: كان؟ فصار، فإذا كانت الجملة الأصلية المقولة عند تابوته مثلا: طان آسرا فصار أسيرا، فمن السهل في الرواية على المعنى أن تجيء في صور مختلفة " ناطقا صامتا، قاتلا مقتولا، غالبا مغلوبا، مرتفعا متضعا، قاهرا مقهورا،؟ الخ (١) بل من السهل أن يتم التصرف في هذا المعنى على صيغ أخرى تبتعد عن التقابل ين طرفي المفارقة، وكل هذا عند رواته لا يعني كذبا في الوضع لأنه يظل ينقل روح المعنى المراد، ومما يقارب ذلك معنى " العظة " بالموت، فإن إيرادها في صور مختلفة يحمل معنى الوضع غير المتعمد كما يجمع إلى ذلك أحياناً وهما في حقيقة المعنى الأصلي أو نسيانا له إذا كانت الرواية من الذاكرة، فمن تلك الصور:

المسعودي: قد كنت لنا واعظا فما وعظتنا موعظة أبلغ من وفاتك.

ابن البطريق: لا تعجبوا ممن لم يعظنا في حياته ثم قد صار بموته لنا واعظا.

فنحن نرى هنا أن المسعودي قد ناقض ابن البطريق إذ زعم الأسكندر كان واعظا للناس في حياته بينا هو عند ابن البطريق لم يفعل ذلك، ثم ان ابن البطريق نفسه تحدث عن هذه العظة في قولتين أخريين، مؤدى إحداهما أن العامة تتعظ بموت الملوك كما أن الملوك يتعظون بموت العامة (رقم ٤٣ في الملحق) وأن الإسكندر ما اتعظ بعظة أبلغ من وفاته (رقم ٤٤) وهما يمثلان تفريعين صغيرين على الأساس الأول لهذه الحكمة،


(١) انظر الأرقام: ٣١، ٤١، ٥٢، ٥٤، ٨٨، ١١٨ في الملحق: ٢.

<<  <   >  >>