للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويورد الثعالبي تفريعا آخر عند المقابلة بين النطق والعظة: قد كنت أمس أنطق وأنت اليوم أوعظ (رقم: ٥٨) ثم نجد لدى الشهرستاني انطلاقة جديدة ينكر فيها وعظ الإسكندر للناس في حياته (كما هي الحال عند ابن البطريق) ولكنه وعظهم في مماته، إلا أن الجديد هنا أن عدم الوعظ كان اختيارا وأن الوعظ كان اضطرارا (رقم: ٨٠) ، هل كل هذه الأقوال ترجع إلى أصل واحد؟ يبدو أن الأمر كذلك، ولكن استغلال المعنى الواحد من عدة أنحاء يدل على البراعة أيضا، وأن هذا النوع من التشقيق مبني على الأصل.

وشبيه بهذا التفريع تولد داخلي أعانت عليه نزعة أخلاقية زهدية دينية تتحرك بقوة في موقف الموت، وليس من الضروري أن يتم ذلك على أيدي الرواة العرب بل لعلهم وجدوه في الرواية المسيحية السريانية فنقلوه على حاله، أو بشيء يسير من التغيير، ولا نكران في أن كثيرا من هذه الأقوال إنما حور عن أصله؟ أو وضع أصلا - ليلائم بعض المشاعر الدينية التي تزهد في الدنيا أو تؤمن بالبعث، والأقوال التالية أمثلة على ذلك:

١ - أعجب لمن كانت هذه سبيله كيف شرهت نفسه بجمع الحطام البائد والهشيم الهامد (الملحق: ١٥) .

٢ - إن دنيا يكون هذا آخرها فالزهد فيها أولى أن يكون في أولها (٢٤) .

٣ - هذه طريق لا بد من سلوكها فارغبوا في الباقية كرغبتهم في الفانية (٣٤) .

٤ - ما أرغبنا في ما فارقت وأغفلنا عما عانيت (٨٢) .

٥ - خرجنا إلى الدنيا جاهلين وأقمنا فيها غافلين ونخرج عنها كارهين (٨٩) .

٦ - قل للملوك ليس بعد الحياة إلا الموت، ولعل ما بعد الموت أشد من الموت (٩٦) .

٧ - قل للملوك ما الحياة بثقة فيرجى غدها ولا الموت بغابر فيؤمن يومه (٩٧) .

٨ - لو كان له يقين لم ينصب نفسه لجمع ما تخلف عنه (١٠٧) .

وحين يصرح المسعودي بأن القول الثاني إنما صدر عن أحد نساك الهند، فإنما ذلك إشارة إلى هذا الوتر الزهدي القوي الذي يتخلل أقوال أولئك الحكماء.

<<  <   >  >>