للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأقوال الدالة على الشماتة؟ في هذه الفترة - تظل أضعف بكثير من الأقوال التي تدل على الأسف، حتى نصل إلى الثعالبي، فنجدها قد ازدادت كثيرا، وهناك نقرأ:

١ - كل يحصد ما يزرعه فاحصد الآن ما قد زرعت (٦٠)

٢ - استرحت من أشغال الدنيا فانظر كيف تستريح من أهوال الأخرى (٦٢)

٣ - ما ينبغي لك ذلك التجبر أمس مع كل هذا الخضوع اليوم (١) (٥٧)

٤ - ما كان أغناك عن إماتة الخلق الكثير مع موتك هذا السريع (٦٣)

٥ - دخلت الظلمات لطلب نور الحياة ولم تعلم أن مصيرك إلى ظلمة التابوت (٦٨)

فهذه الأقوال وغيرها؟ مما انفرد به الثعالبي - تقوي الظن بأنها وليدة بيئة فارسية، كان رضاها عن الأسكندر المغتصب، الذي سيحصد ما زرع ويلقى جزاء جبروته أقل بكثير من رضى الروايات الأخرى مسيحية كانت أو إسلامية. إلا أن هذه الروح في الرواية الفارسية قد وجدت من بعد عونا من النزعة الزهدية العامة. ويقف القول الخامس فيما تقدم عن دخول الظلمات وطلب نور الحياة فريدا، وذا دلالة على محاولة استخراج تلك الأقوال من التحركات التاريخية للإسكندر نفسه (أو على الأقل محاولة لاستخراجها من قصته تاريخية كانت أو أسطورية) .

ومما يجب أن نلحظه في تلك الأقوال تسمية بعض قائليها وإغفال أكثرهم، واضطراب المصادر في أسماء المذكورين منهم، ونسبة القول لغير واحد، مما لن أحاول الوقوف عنده، بعد إذ أصبح ظاهرة تكاد تكون طبيعية في مثل هذه الأقوال. ولكن مما يلفت النظر أن اليعقوبي والمسعودي والمبشر بن فاتك لا يذكرون أسماء القائلين، ولعلهم كانوا على وعي بالخطأ التاريخي في جمع عدد من الأشخاص لا يجمعهم زمان، ولا يتأتى جمعهم في مكان، حول تابوت الإسكندر، ثم نجد ابتداء من المسعودي أنهم لم يكونوا جميعا من حكماء يونان بل كان فيهم بعض حكماء الهند ونساكها، وأنهم أيضا لم يكونوا جميعا من طبقة الفلاسفة والحكماء، وغنما كانوا يضمون صاحب مائدة الإسكندر وصاحب بيت المال وأحد الخزان (إلا أن يكون هؤلاء أيضا كانوا حكماء) كما برزت بينهم


(١) انظر التعليق على هذه العبارة في الملحق (رقم: ٧٥) حيث ترد العبارة في مخطوطة كوبريللي والحصري على نحو أكثر قسوة في الشماتة.

<<  <   >  >>