للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لباب الآداب: ولتكن مشاورتك بالليل فإنه أجمع للفكر، وأعون على الذكر، ثم شاور في أمرك من تثق بعقله ووده (١) .

٤ - السياسة العامية: وصير الأرزاق على الضعيف، وصير رزق الجندي ما يحمله ويحمل عياله؟ وإذا أمرت بالأرزاق فأنجزها لهم؟ وأي صاحب لقاء أو بطريق أو جندي اتهمته، فإن كانت له درجة فأسقطها، وإن كان جنديا، وكان ذلك أول فعله فأصفح عنه، وإذا كان يوم الحرب قربت الأمناء يكتبون بين الصفين ما يحدث في كل ناحية، ثم غنمهم على ذلك وأبرز لهم العطايا فإنهم يبذلون أنفسهم لها؟ وأجر الأرزاق على ولد الشهيد في الحرب وما أشبه ذلك، وأجر الأرزاق على الجرحى سوى أرزاق العامة، ومن ضرب في وجهه فكافئه بجائزة، ومن ضرب في ظهره فوبخه بالكلام فقط، ومن قطعت يده وبطلت له جارحة فقد وجب عليك رزقه بقية عمره. (٢) .

لباب الآداب: وقال الحكيم: أفض على جيشك سيب عطائك، واصرف إليهم أحسن عنايتك وإرعائك، فإنهم أهل الأنفة والحمية، وحفظة الحوزة والرعية، وسيوف الملك وحصون الممالك والبلدان، وأوثق الأصحاب والأعوان، بهم تدفع العوادي، وتقهر الأعادي، ويزال الخلل، ويضبط العمل، قوي ضعيفهم يقو أمرك، وأغن فقيرهم يشد أزرك، وامنحهم قبل الفرض، واختبرهم عند العرض. ولا تثبت منهم إلا الوفي الكمي الذي لا يعدل عن الوفاء، ولا يجبن لدى االهيجاء، فإن المراد منهم قوة العدة، لا كثرة العدة. وإن أصاب أحدهم في وقعة تندبه لها، أو حملة تبرزه فيها، ما يعطله عن اللقاء، ويؤخره عن الاكفاء، فلا تمح اسمه، ولا تمنعه رسمه، وأن قتل في طاعتك، واستشهد تحت رايتك، فأكفل بنيه، وذب عن أهله وذويه، فإن ذلك يزيدهم رغبة في خدمتك، ويسهل عليهم بذل المهج والأرواح في نصرة دولتك ودعوتك (٣) .

وفي هذه الأمثلة المقارنة نموذج لمن شاء أن يتصور كيف أصبحت الوصايا السياسية رسائل أدبية، ذات أسلوب مسجع، ولكن المثل الأخير منها يحمل مشكلة جديدة، ذلك لأن التطابق بينه وبين النقل الأسلوبي محمول على الجملة لا على التفصيل، ولعل


(١) لباب الآداب: ٦٤.
(٢) رسالة في السياسة العامية، مخطوطة كوبريللي، الورقة: ٨٨ وقارن السعادة والإسعاد: ٣٣٤.
(٣) لباب الآداب: ٥٩ - ٦٠.

<<  <   >  >>