للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن ثَمَّ قال ابن عمر -رضي الله عنهما- لقائله: «لا غفر الله لك» (١) : بل يسكت متفكراً في الموت وما يتعلق به وفناءِ الدنيا، ذاكراً بلسانه سراً لا جهراً؛ لأنه بدعة قبيحة» .

وفي «المجموع» (٢) عن جمع من الصحابة (٣) ،


(١) ذكره أبو شامة في «الباعث» (٢٧٦ - بتحقيقي) عن ابن عمر، وعلق عليه بقوله: «وإنما كره ذلك: لما فيه من التشويش على المشيّعين، الموَفَّقين المفَكِّرين في أحوالهم ومعادهم» .
قال أبو عبيدة: فإباية ابن عمر وإنكارُه عليه ليس من جهة أصل الدعاء، ولكن من جهة أخرى؛ وهي التشويش والجهر، أو أن يُعتقد أنه سنة تُلزم، أو تجري في الناس في مجرى السنن اللازمة، أو أن يُعتقد في الداعين أمر زائد، أو أنه وسيلة إلى أن يُعتقد فيهم أنهم مجابوا الدعوة، ولذا أنكر جمع من السلف من الصحابة ومَنْ بعدهم على من طلب وألح في الدعاء لهم، كما تراه في «الاعتصام» للشاطبي (٢/٣١٥-٣١٩) ، و «تالي التلخيص» للخطيب (رقم ١١٥) ، و «المجالسة» (٤/٧١-٧٢) وتعليقي عليها، وانظر: «تفسير القرطبي» (٩/٢٨٧) (الرعد: ٨) ، «الحكم الجديرة بالإذاعة» (ص ٥٤-٥٥) لابن رجب، «قاعدة جليلة» (ص ٧١ - ط. الشيخ ربيع) ، «إعلام الموقعين» (٥/٨ - بتحقيقي) «معجم المناهي اللفظية» = = (ص ٣٨ - ط. الأولى) و «تصحيح الدعاء» (٢٢٦) كلاهما للشيخ بكر أبو زيد.
وأما أثر ابن عمر، فسيأتي معزواً لـ «سنن سعيد بن منصور» ، وهو ليس في القسم المطبوع منه، إذ هو ناقص.
(٢) (٥/٢٩١) ، والمذكور عند المصنف بفحواه ومعناه، دون نصِّه ومبناه.
(٣) أورد النووي أثر قيس بن عُباد، المتقدم ذكره وتخريجه (ص ١١) .
وأثر الحسن البصري: قال: «وذكر الحسن البصري عن أصحاب رسول الله S أنهم يستحبون خفض الصوت عند الجنائز، وعند قراءة القرآن، وعند القتال» .

قلت: أخرجه عبد الرزاق (٣/٤٥٣ رقم ٦٢٨١) -ومن طريقه ابن المنذر في «الأوسط» (٥/٣٨٩ رقم ٣٠٥٧) - عن معمر، عن الحسن بنحوه. وفي رواية عند ابن أبي شيبة (٣/٢٧٢) من طريق علي بن زيد -وهو ضعيف- عن الحسن مرسلاً، وإسناده ضعيف.
ومما يساعد عليه: ما أخرجه ابن أبي الدنيا في «القبور» (رقم ٣١ - بتحقيقي) ، والبيهقي في «الشعب» (٧/١١ رقم ٢٩٧٣) عن ثابت البناني، قال: إن كنا لنتبع الجنازة، فما نرى إلا متقنعاً باكياً، أو متقنعاً مفكراً. وثابت أدرك أنساً وغيره.
ويشوش على هذا: ما أخرجه عبد الرزاق (٣/٤٤٠ رقم ٦٢٤٤) -ومن طريقه ابن المنذر (٥/٣٩٠ رقم ٣٠٥٨) - بسنده إلى عكرمة مولى ابن عباس، قال: توفي ابن لأبي بكر، كان يشرب الشراب، قال أبو هريرة: استغفروا له، فإنما يستغفر لمسيء عمله.
والجواب عليه من وجهين:
الأول: في سنده الحكم بن أبان فيه كلام، وهو من رجال «الميزان» (١/٥٦٩) .
والثاني: قال ابن المنذر: «قد يجوز أن يكون معنى قول أبي هريرة صياحهم: استغفروا له، فيما بينكم وبين أنفسكم، خلاف البدعة التي أحدثها الناس من رفع الصوت بالاستغفار» !

<<  <   >  >>