مرحلتين؛ كذلك دري علي أبي عبد الله الجلاب خطيب شيراز وفقيهها النظار، واتصل بأبي الفرج الفامي الشيرازي أحد رجال المذهب الداودي الظاهري، وكان يناظره وهو في تلك السن المبكرة، إذ يقول في الطبقات " وكنت أناظره بشيراز وأنا صبي "، وهذا يدل على أنه أحرز التمرس بفن الجدل وهو في تلك السن.
وبعد هذه المرحلة التي قضاها طالباً للعلم في بلاد فارس توجه إلى العراق، فدخل البصرة ودرس على فقهائها ومنهم الحوزي؛ ثم قصد بغداد فدخلها سنة ٤١٥ وهو في الثانية والعشرين من عمره، متابعاً طلب العلم، فوجد في بغداد بيئة علمية غير التي عرفها في سائر المدن والقرى التي أتيح له دخولها، ووصل نفسه بكبار الفقهاء من القائمين بمذهب الشافعي، ومن هؤلاء الشيرجي الفرضي الحاسب وابن رامين وأبو عبد الله البيضاوي ومنصور بن عمر الكرخي، ولكن أكبر أساتذته في هذا الدور هو أبو الطيب الطبري (- ٤٥٠) الذي يقول هو في وصفه: " ولم أر في من رأيت أكمل اجتهاداً، واشد تحقيقاً، وأجود نظراً منه "، ويليه في المنزلة بين سائر شيوخه أستاذه أبو حاتم محمود بن الحسن الطبري المعروف بالقزويني، قال:" ولم أنتفع بأحد في الرحلة كما انتفعت به وبالقاضي أبي الطيب الطبري ". وعلي أبي حاتم قرأ أبو إسحاق الأصول، كما درس الفقه على آخرين منهم الزجاجي وأبو عبد الله محمد بن عمر الشيرازي وغيرهما، وسمع الحديث علي أبي بكر البرقاني وأبي علي ابن شاذان، وحضر بعض حلقات الدروس لغير الشافعية، فهو يقول في القاضي أبي علي الهاشمي الحنبلي:" حضرت حلقته وانتفعت به كثيرا ".
وقد نال أبو إسحاق إعجاب أستاذه أبي الطيب الطبري وثقته بعد وقت غير طويل، فأخذ الأستاذ يأذن له بتدريس أصحابه في مسجده حين رتبه معيداً، وأخذ الشيرازي نفسه بخطة صارمة فقد قال متحدثاً عن نفسه في تلك الفترة: " كنت أعيد كل قياس ألف مرة، فإذا فرغت منه أخذت