جعلوا المعول في ذلك على المرجح، فمتى وجد كان الحكم له، ولذلك تراهم يرجحون تارة الوصل وتارة الإرسال كما يرجحون تارة عدد الذوات على الصفات وتارة العكس، ومن راجع أحكامهم الجزئية تبين له ذلك، والحديث المذكور يعني حديث " لا نكاح إلا بولي " لم يحكم له البخاري بالوصل لمجرد أن الوصل معه زيادة بل انضم لذلك من قرائن رجحته، ككون يونس بن أبي إسحاق وابنيه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولاً، ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيرهم لا سيما وإسرائيل قال فيه ابن مهدي إنه كان يحفظ حديث جده كما يحفظ سورة الحمد. اهـ كلام السخاوي بتغيير.
ثم إن مشينا على القول الأخير من أن المعتبر الأحفظ فهل يقدح ذلك في أهلية غيره فيه اختلاف أشار إليه بقوله (والأشهر) من قولي العلماء (عليه) أي إذا مشينا على القول الرابع، وكذا الثالث، كما أفاده في التنقيح، فقوله: الأشهر مبتدأ خبره قوله الا يقدح) أي لا يجرح (هذا) فاعل يقدح أي تقديم الأحفظ في وقفه أو إرساله (في أهلية الواصل) والرافِع من ضبطٍ حيث لم تكثر المخالفة، وعدالةٍ (و) لا يقدحِ أيضاً في الحديث (الذي يفي) بسنده، يعني الحديث الذي يرويه مسنداً، والمراد جنس الحديث الذي رواه بسنده لا الحديث المختلف فيه الذي هو محل النزاع فإنه يقدح فيه بلا شك.
ثم إن قوله والذي يفي تأكيد لما قبله، وإلا فقد يقال إن التصريح بعدم القدح في الضبط والعدالة يغني عن التصريح بعدم القدح في مرويه لاستلزامهما ذلك غالباً.
فإن قيل: كيف اجتمع الرد لمسنده هذا مع عدم القدح في عدالته، فالجواب أن الرد للاحتياط وعدم القدح فيه لإمكان إصابته، ووَهَمِ الأحفظ. وعلى تقدير تحقق خطئه مرة لا يكون مجروحاً به كما صرح به الدارقطني أفاده السخاوي رحمه الله.