وحاصل المعنى: أن التدليس على هذا القول هو أن يحدث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي تصريحاً بالسماع ولو لم يتعاصرا، وهذا القول نقله ابن عبد البر في التمهيد عن بعضهم. قال: وعلى هذا فما سلم من التدليس لا مالك ولا غيره.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه، وكذا قال الحافظ أبو الحسن القطان في بيان الوهم والإيهام. قال: والفرق بينه وبين الإرسال هو أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه ولما كان في هذا أنه قد سمع كانت روايته عنه بما لم يسمع منه كأنها إيهام سماعه ذلك الشيء فلذلك يسمى تدليساً.
وارتض هذا القول الحافظ لتضمنه الفرق بين النوعين قال: ويؤيده كلام الخطيب في كفايته، وعبارتُهُ فيها: هو تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه بروايته إياه على وجه أنه سمعه منه ويعدل عن البيان لذلك.
وقال: ولو بين أنه سمعه من الشيخ الذي دلسه عنه وكشف ذلك لصار بيانه مرسلاً للحديث غير مدلس فيه.
لأن الإرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعاً ممن لم يسمع منه وملاقياً لمن لم يلقه إلا أن التدليس الذي ذكرناه متضمن الإرسال لا محالة لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة، وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه فقط، وهو الموهن لأمره، فوجب كون التدليس متضمناً للإرسال والإرسال لا يتضمن التدليس لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه، ولهذا لم يذم العلماء من أرسل أي لظهور السقط، وذَمُّوا من دلس ذكره السخاوي في الفتح.
ثم إن تدليس الإسناد كما ذكرنا على أنواع فمنه تدليس القطع وإليه أشار بقوله: