الجميع فإن ذلك عادة السلف الصالح رحمهم الله، والأصل فيه قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بن كعب سورة (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ... ).
(لاستبصار) متعلق باكتب أي اكتب ذلك لطلب البصيرة وهي العلم والخبرة أي لتكون خبيراً بفنون الحديث (لا كثرة الشيوخ) أي لا تكتب لتكثير عدد شيوخك (لافتخار) أي لأجل أن تفتخر به على أقرانك فتقول: كتبت عن كذا وكذا شيخاً فإنه لا طائل تحته إلا أن يكون قصدك به تكثير طرق الحديث وجمع أطرافه فحينئذ لا بأس عليك، بل هو أمر مستحسن، فَعَلَهُ الأئمة الحفاظ كالثَّوري وابن المبارك وأبي داود الطيالسي والبخاري وغيرهم.
(ومن) شرطية مفعول مقدم أو مبتدأ (يفدك) أيها الطالب (العلم) أيَّ عِلْمٍ كان (لا تؤخر) لا ناهية، والفعل مجزوم كسر للوزن، والجملة جواب الشرط بتقدير الفاء، وهو الخبر للمبتدإ على بعض الأقوال، والرابط محذوف مع مضاف أي فلا تؤخر فائدته، أو المضاف مقدر قبل من أي وفائدة من يفدك إلخ.
وحاصل المعنى: أن من يفدك فائدة فلا تؤخرها حتى تنظر هل هو أهل للأخذ عنه أم لا (بل خذ) ها واكتبها، لأنه ربما تفوتك بموته أو سفره أو غير ذلك (ومهما) اسم شرط مبتدأ (ترو عنه) أي إذا أردت الرواية عن ذلك المفيد (فانظر) أي ابحث هل هو ممن تحل الرواية عنه أم لا.
وحاصل المعنى: أنك إذا أردت رواية ما كتبت فتحقق لئلا تروي عمن ليس أهلاً للرواية عنه فتدخل في حديث رواه مسلم وغيره: " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع " ثم أكَّدَ ما ذكره بكلام منقول عن الإمام أبي حاتم وغيره بقوله: