للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى بعض واشتغل بتصنيف أبوابه وَتَرْتيب أصنافه، فإن ذلك الفعل مما يقوي النفس ويثبت الحفظ، ويذكي القلب، ويشحذ الطبع، ويبسط اللسان، ويجيد البنان، ويكشف المشتبه، ويوضح الملتبس.

(ويبق) من الإبقاء، والفاعل ضمير يعود إلى التصنيف المفهوم من صنف، أي يخلد (ذكراً) بالكسر أي عَلَاءً وَشَرَفاً (ما) نافية أي ليس (له) أي لذلك الذكر (من غاية) أي نهاية ينتهي إليها، والجملة صفة ذكرا.

والمعنى أن التصنيف يخلد شرفك بين العلماء المحصلين إلى آخر

الدهر فهو ولدك المخلد، ومُكسِبُك الثوابَ المؤبد، والأصل فيه قوله - صلى الله عليه وسلم -:

" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له ".

وقال الشاعر:

يَمُوتُ قَوْم فَيُحْصيِ الْعِلْمُ ذِكْرَهًمُ ... وَالْجَهْلُ يُلْحِقُ أمْوَاتًاً بِأموَاتٍ

وقال الحسن بن علي البصري:

الْعِلْمُ أفْضَلُ شَيْءٍ أنْتَ كَاسِبُه ... فَكُنْ لَهُ طَالِباً مَا عِشْتَ مُكْتَسِباً

وَالْجَاهِلُ الْحَيُّ مَيْتٌ حِينَ تَنْسُبُهُ ... وَالْعَالِمُ الْمَيْتُ حَيٌّ كُلَّمَا نُسِبَا

وقال أبو الفتح البستيي:

يَقُولونَ ذِكْر الْمَرْ يَبْقَى بِنَسْلِهِ ... وَلَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ إِذَا لَمْ يَكنْ نَسْلُ

فَقُلْتُ لَهُمْ نَسْلِي بدَائِعُ حِكْمَتِي ... فَمَنْ سَرَّهُ نَسْلٌ فَإنَّا بذَا نَسْلُو

وقال الخطيب: وينبغي أن يفرغ المصنف للتصنيف قلبه ويجمع له همه ويصرف إليه شغله ويقطع به وقته، وقد كان بعض شيوخنا يقول: من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ، وليأخذ قلم التخريج.

<<  <  ج: ص:  >  >>