للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْخَوْض فِيمَا لَا يعنيه إِلَى أَن كَاد يرْتَفع جملَة وَكَذَا شَأْن سَائِر الصَّنَائِع والدول فَإِنَّهَا تبتديء قَلِيلا قَلِيلا وَلَا يزَال يزِيد حَتَّى يصل إِلَى غَايَة هِيَ منتهاه ثمَّ يعود إِلَى النُّقْصَان فيؤول أمره إِلَى الْغَيْبَة فِي مهاد النسْيَان شعر

(ثمَّ انْقَضتْ تِلْكَ السنون وَأَهْلهَا ... فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُم أَحْلَام)

وَالْحق أَن أعظم الْأَسْبَاب فِي رواج الْعلم وكساده هُوَ رَغْبَة الْمُلُوك فِي كل عصر وَعدم رغبتهم فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون سِيمَا على ذهَاب علم الدّين وَالْإِسْلَام من الحَدِيث وَالتَّفْسِير اللَّذين عَلَيْهِمَا مدَار العقائد وَالْأَحْكَام وَقد مَال أهل الْعَصْر عَن شاكلة الصَّوَاب وانخدعوا بلامع السراب واقتنعوا من الْعُلُوم بالقشر عَن اللّبَاب

قَالَ الْغَزالِيّ أَدِلَّة الطَّرِيق هم الْعلمَاء الَّذين هم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وَقد شغر عَنْهُم الزَّمَان وَلم يبْق إِلَّا المترسمون وَقد استحوذ على أَكْثَرهم الشَّيْطَان واستغواهم الطغيان وَأصْبح كل وَاحِد مِنْهُم يعاجل حَظه مشغوفا فَصَارَ يرى الْمَعْرُوف مُنْكرا وَالْمُنكر مَعْرُوفا حَتَّى ظلّ علم الدّين مندرسا ومنار الْهدى فِي أقطار الأَرْض منطمسا وَلَقَد خيلوا إِلَى الْخلق أَن لَا علم إِلَّا فَتْوَى حُكُومَة تستعين ثمَّ الْقُضَاة على فصل الْخِصَام عِنْد تهارش الطغام أَو جدل يتدرع بِهِ طَالب المباهاة إِلَى الْغَلَبَة والإفحام أَو سجع مزخرف يتوسل بِهِ الْوَاعِظ إِلَى اسْتِدْرَاج الْعَوام إِذْ لم يرَوا مَا سوى هَذِه الثَّلَاثَة مصيدة لِلْحَرَامِ وشبكة للحطام

فَأَما علم طَرِيق الْآخِرَة وَمَا درج عَلَيْهِ السّلف الصَّالح مِمَّا سَمَّاهُ الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه فقها وَحِكْمَة وعلما وضياء ونورا وهداية ورشدا فقد أصبح من بَين الْخلق مطويا وَصَارَ نسيا منسيا ولعمري إِنَّه لَا سَبَب لإصرارك على النكير إِلَّا الدَّاء الَّذِي عَم الجم الْغَفِير بل شَمل الجماهير من الْقُصُور عَن مُلَاحظَة ذرْوَة هَذَا الْأَمر وَالْجهل بِأَن الْأَمر إد والخط جد وَالْآخِرَة مقبلة وَالدُّنْيَا مُدبرَة وَالْأَجَل قريب وَالسّفر بعيد والزاد طفيف والخطر عَظِيم وَالطَّرِيق سد وَمَا سوى الْخَالِص لوجه الله

<<  <   >  >>