ومعناه: أن الله سبحانه وتعالى كان يعلم في الأزل أن هذا الحكم سيكون معمولا به لدى المكلفين إلى وقت محدد في علمه، ثم ينسخ. فلما انتهى الوقت المحدد أنزل حكمًا آخر ظهر منه الزيادة أو النقصان -أي: النسخ الجزئي أو التخصيص- أو الرفع مطلقا -أي: النسخ الكلي- وهو العالم بما كان وما سيكون علمًا قديمًا أزليًّا أبديًّا. ففي الحقيقة هذا بيان انتهاء المدة المعينة للحكم الأول؛ لكن لما لم يكن الوقت المحدد له مذكورا معه، تقرر في أوهام الناس استمراره بطريق التراخي، فلما جاء ميعاد انتهائه وابتداء الحكم الثاني وظهر الأمر، صار بحسب الظاهر للناس نسخا وتبديلا. حكمته: النسخ جائز عقلا وواقع شرعا قديما وحديثا من لدن آدم -عليه السلام- إلى أن ختم الله سبحانه الشرائع والكتب بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- والكتاب الذي أنزله عليه. ولا ريب أن في نسخ الأحكام حِكَمًا ومصالح نظرًا إلى حال المكلفين والزمان والمكان. كما أن الطبيب الحاذق يبدل الأدوية والأغذية بملاحظة حال المريض والمراحل التي وصل إليها وغير ذلك وفق المصلحة التي يراها، مع الرفق بحاله. وما يدعيه أهل الكتاب وغيرهم من امتناع النسخ باطل مخالف للواقع. كيف لا وأن المصالح تختلف باختلاف الزمان والمكان وأحوال المكلفين؟! قال سبحانه: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ١٠٦]. =