للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فنقول: وبأي شيء عرفتم أنه أخذها عن ربه؟ فيقولون: بما تواتر من أخبار أسلافنا.

وأيضا فإنا نلجئهم إلى نقل أسلافهم ونقول لهم: بماذا عرفتم نبوة موسى؟

فإن قالوا: بما عمله من المعجزات. قلنا لهم: وهل فيكم من رأى هذه المعجزات؟ ليس هذا لعمري طريقا إلى تصديق النبوة؛ لأن هذا كان يلزمكم منه أن تكون معجزات الأنبياء -عليهم السلام- باقية من بعدهم ليراها كل جيل بعد جيل، فيؤمنوا به، وليس ذلك بواجب. لأنه إذا اشتهر النبي في عصر، وصحت نبوته في ذلك العصر بالمعجزات التي ظهرت منه لأهل عصره، ووصل خبره لأهل عصر آخر، وجب عليهم تصديق نبوته واتباعه؛ لأن المتواترات والمشهورات مما يجب قبولها في العقل١. وموسى وعيسى ومحمد -عليهم الصلاة والسلام- في هذا الأمر متساوون.

ونقول: تواتر الشهادات بنبوة موسى أضعف من تواتر الشهادات بنبوة عيسى ومحمد -عليهما الصلاة والسلام- لأن شهادة المسلمين والنصارى بنبوة موسى ليست إلا بسبب أن كتابيهما يشهدان له بذلك. فتصديقهم بنبوة موسى -عليهم السلام- فرع عن تصديقهم بكتابيهما.

وأما معجزات القرآن فإنها باقية، وإذا كانت باقية، فتلك فضيلة زائدة لا تحتاج إلى كونها سبب الإيمان. فأما من أعطي ذوق الفصاحة،


١ هذا إذا صحت النبوة وقامت دلائلها وأقر بها أهل الحجى الذين يميزون بين المعجزة وبين السحر ونحوه، والذين يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب. ثم نقلت بالتواتر. أما مجرد الإشاعة التي لا يُدرى أولها من آخرها، فليس لها أثر، وإن نقلت جيلا فجيل.

<<  <   >  >>