فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فكَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أباحهمَا الصَّدَقَة بقوله لهمَا: " إِن شئتمَا فعلت "، وَلم يمنعهمَا مِنْهَا لقوتهمَا وجلدهمَا، وَلم يُنكر عَلَيْهِمَا سؤالهمَا إِيَّاه فِيهمَا ورد أمرهمَا فِي حالهمَا لَهَا إِلَى أنفسهمَا، فقَالَ: " إِن شئتمَا فعلت "، أَي: لأنكمَا أعلم بحسة أمركمَا مني فِي غنى إِن كَانَ معكمَا ثُمَّ غلظ عَلَيْهِمَا أَمر الصَّدَقَة، فقَالَ: " وَلَا حق فِيهَا لَغَنِيّ، وَلَا لقوي مكتسب "، وَجمع فِي هَذَا الْمَعْنى وَالْقَوِي المكتسب، وَإِن كَانَ مختلفِين فِي
الْمَعْنى، لِأَن الْغَنِيّ لَا تحل لَهُ الصَّدَقَة أصلا، وَلِأَن الْقوي المكتسب قَدْ تحل لَهُ الصَّدَقَة إِذَا كَانَ فَقِيرا، وَلكنه لَيْسَ فِي حلهَا كالزمن الْفَقِير الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الْغنى عَنْهَا باكتسابه تَقْوِيَة مَا يُغْنِيه عَنْهَا، وقَدْ يغلظ الشَّيْء بِمثل هَذَا قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ الْمُؤمن الَّذِي يبيت شبعانا وجاره جَائِع "، فَلم يكن ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يخرج بِذَلِكَ من الإيمَان حَتَّى يدْخل بِهِ فِي حكم الْكفْر وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا دين لمن لَا أمَانة لَهُ "، ولَيْسَ فِي معنى أَنَّهُ يكون بِذَلِكَ فِي حكم من لَا دين لَهُ وَكَذَلِكَ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ الْمِسْكِين بِالطّوافِ "، لَيْسَ عَلَى معنى أَنَّهُ يخرج بِذَلِكَ من أَسبَاب المسكنة، حَتَّى يَكُونَ بِذَلِكَ مِمَّنْ تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة، وَلَكِن لَيْسَ حكمه فِي المسكنة كَحكم من سواهُ مِمَّنْ لَا يسْأَل، وَلَا يفْطن لَهُ فيُعطى؟ وكذَلِكَ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث عبيد الله بن عدي: " وَلَا حق فِيهَا لقوي مكتسب " عَلَى معنى وَلَا حق لَهُ فِيهَا كحق الزَّمن الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الِاكْتِسَاب، وقَدْ يُقَالُ: فلَان عَالم حَقًا، إِذَا كَانَ مِمَّنْ قَدْ تكاملت فِيه أَسبَاب الْعلم، وَلَا يُقَالُ لَهُ إِذَا كَانَ دون ذَلِكَ: فلَان عَالم حَقًا، وَإِن كَانَ فِي الْحَقِيقَة عالمَا فلمَا كَانَ الَّذِي يُرَاد بِهِ فِي تَحْقِيق الْعلم لَهُ أعَلَى مَرَاتِب الْعلم، كَانَ كَذَلِكَ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَلَا حق فِيهَا لقوي مكتسب " أَي: وَلَا حق فِيهَا
يكون بِهِ فِي أعَلَى مَرَاتِب أَهلهَا الَّذين يستحقونها، لِأَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ للرجلين الجلدين القويين اللَّذين يطيقان الِاكْتِسَاب، هَذَا القَوْل بعد أَن أباحهمَا إِيَّاه بقوله لهمَا: " إِن شئتمَا فعلت "، فعقلنا بِذَلِكَ أَن قَوْله لهمَا: " وَلَا حق فِيهَا لقوي مكتسب " لَيْسَ عَلَى حرمتهَا عَلَى القوى المكتسب إِذَا كَانَ فَقِيرا، وَلَكِن لمَا سوى ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute