للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعقلنا بِذَلِكَ أَن تَأْوِيل قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ} إِن ذَلِكَ إِلَّا فكاك للرقبة، هُوَ هَذَا الْمَعْنى، لَا ابتياعها وعتاقها، وَالله أعلم وَلم يرد فِي الحَدِيث الَّذِي روينَا وَالله أعلم بالمعونة

، وَثمن الرَّقَبَة الثّمن الَّذِي يبْتَاع بِهِ، لِأَن ذَلِكَ لَو كَانَ كَذَلِكَ لم يكن مَعُونَة للرقبة، وإنمَا كَانَ مَعُونَة لمبتاعها الَّذِي قد تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة، أَو قد تحل لَهُ، وَالَّذِي قد عَسى أَن يعتقها بعد ابتياعها إِيَّاهَا، أَو يَمُوت قبل أَن يعتقها فتعود مِيرَاثا عَنهُ، أَو يأَبَى فِي حَيَاته عتقهَا فَلَا يحر عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يحكم بِهِ عَلَيْهِ، أَو تحدث بِهِ حَادِثَة قبل عتقه إِيَّاهَا تَمنعهُ من عتاقها كذهاب عقله ومَا أشبهه، عقلنا بِذَلِكَ أَن الفكاك هُوَ ملكية الرَّقَبَة حَتَّى يتَوَلَّى فكاكها بِهِ، لَا مَا سواهُ، وَلَا يكون ذَلِكَ إِلَّا وقَدْ تقَدم فِي الرَّقَبَة مَا يُوجب لَهَا الْملك لمَا يملك، حَتَّى يفك بِهِ الرّقّ عَنْهَا، وَهُوَ الْكِتَابَة لَا غَيرهَا وكذَلِكَ مَا جعل الله جلّ وَعز فِي الْآيَة الَّتِي تلونا فِي الرّقاب هُوَ من هَذَا الْجِنْس وَهُوَ مَا ملكته الرّقاب، فَلَا يملك الرّقاب مَا يُؤَدِّيه عَنْ أَنْفسهَا حَتَّى يعْتق بِهِ، إِلَّا وَهِيَ مُكَاتبَة قبل ذَلِكَ وقَدْ ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَة فِي: {الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَة فكَانَ مَا أُرِيد بِهِ من ذَلِكَ هُوَ مَا يملكونه، فكَانَ أولى الْأَشْيَاء بِنَا فِي الرّقاب أَن يَجْعَل مَا أريدت بِهِ فِيهَا هُوَ مَا يملكهُ، وَلَا يكون ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَّا وقَدْ تقَدمت المكاتبات فِيهَا، فِيثبت بِذَلِكَ أَن أولى التَّأْويلَيْنِ بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَفِي الرِّقَابِ} هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الَّذين جعلوها فِي المكاتبين وأمَّا قَوْله: {وَالْغَارِمِينَ} فهم المدينون، لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ

الْعِلْمِ علمناه وأمَا قَوْله: {وَفِي سَبِيلِ اللهِ} فَهُوَ المعونة لأهل سَبِيل الله، وَهِيَ طَاعَته، فَمنهمْ المجاهدون فَيدْفَع إِلَيْهِم مِنْهَا مَا يستعينون بِهِ عَلَى جهادهم، وَيكون الَّذِي يدْفع إِلَيْهِم من ذَلِكَ ملكا لَهُم، وَمن مَات مِنْهُمْ بعد ملكه إِيَّاه قبل أَن يصرفهُ فِي النَّفَقَة عَلَى نَفسه فِي جهاده كَانَ من تركته، وَجرى فِيه مَا يجرى فِي تركته فَإِن قَالَ قَائِل: فَكيف يملكهُ الْمَدْفُوع إِلَيْهِ؟ وإنمَا دفع إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لسبيل الله عَزَّ وَجَلَّ؟ قيل لَهُ: لم يدْفع إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ غير مَالك لَهُ، إنمَا دفع إِلَيْهِ ليملكه، ثُمَّ يصرفهُ بعد ذَلِكَ فِي سَبِيل الله عَزَّ وَجَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>