وَهُوَ القَوْل الَّذِي حكيناه عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْري، وَمن ذَكَرْنَاهُ معهمَا، فَأحب الْقَوْلَيْنِ اللَّذين ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا الْمَعْنى إِلَيْنَا إِذَا كَانُوا جَمِيعًا قَدْ أمروا بِالْإِطْعَامِ فِي ذَلِكَ إِمَّا إِيجَابا، وإمَّا اسْتِحْبَابا،
وَلم يجْعَلُوا ذَلِكَ كَالصَّلَاةِ الَّتِي يلْحق الْعَجز عَنْهَا، فَلم يأمروا مكَانَها بِبَدَل سواهَا إِيجَابا، وَلَا اسْتِحْبَابا، وَعَاد بمَا ذكرنَا حكم الصّيام المعجوز عَنهُ الَّذِي يقدر الْعَاجِز عَنهُ إِلَى مَا يحجّ بِهِ غَيره عَنهُ وقَدْ سَأَلت امْرَأَة من خثعم رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَت: إِن أَبِي شيخ كَبِير وقَدْ أدْركْت فَرِيضَة الله عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَج، أفيجزئ أَن أحج عَنهُ؟ قَالَ: " حجي عَنْ أَبِيك " هَكَذَا فِي حَدِيث ابْن الزبير، وفِي حَدِيث عَليّ بن أَبِي طَالب، أَن رجلا من خثعم سَأَلَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ: إِن أَبِي أدْركهُ الْحَج وَهُوَ شيخ كَبِير لَا يَسْتَطِيع ركُوب الرحل، وَالْحج عَلَيْهِ مَكْتُوب أفأحج عَنهُ؟ قَالَ: " نعم، فاحجج عَنهُ " وَسَنذكر ذَلِكَ بأسانيده، ومَا فِيه سوى هذَيْن الْحَدِيثين فِي مَوْضِعه من كتاب الْمَنَاسِك من كتاب أَحْكَام الْقُرْآن إِن شَاءَ الله تَعَالَى فكَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خُوطِبَ بِأَن الْحَج مَكْتُوب عَلَى عَاجز يَدَيْهِ عَنهُ، فَلم يُنكر ذَلِكَ عَلَى من خاطبه بِهِ إِذَا كَانَ من سنته، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَج عَنِ الْعَاجِز، وكذَلِكَ الصّيام لمَّا كَانَ من السّنة الْإِطْعَام عَنِ الْعَاجِز عَنهُ، لم يكن الْفَرْض فِيه سَاقِطا عَنِ الْعَاجِز عَنهُ إِذَا كَانَ، وَإِن عجز عَنهُ، قَادِرًا عَنِ الْبَدَل مِنْهُ وَهُوَ الْإِطْعَام فأمَّا الْمَرِيض الَّذِي يعجز عَنِ الصَّوْم للمرض الَّذِي قَدْ نزل بِهِ، فَيكون كَذَلِكَ حَتَّى يَمُوت، فَإِن أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبا يُوسُف، ومحمدا كَانُوا يَقُولُونَ: قَدْ مَات هَذَا الرجل
، وَلَا فرض عَلَيْهِ فِي هَذَا الصَّوْم، وَإنَّهُ لَو كَانَ أوصى قبل وَفَاته بِالْإِطْعَامِ عَنْ صَوْم، إِن كَانَ لوَجَبَ عَلَيْهِ فِي حَيَاته، لم يجب أَن يطعم عَنهُ، لِأَنَّهُ مَات، وَلَا فرض عَلَيْهِ، وقَدْ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ من قَوْلهم سليمَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّد وقَدْ خولفوا فِي ذَلِكَ، فَقيل: الصَّوْم قَدْ كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ، وكَانَ مَعْذُورًا فِي تَركه، وكَانَ الْبَدَل مِنْهُ وَهُوَ الْإِطْعَام جَارِيا مكَانَه، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَن يطعمهُ فِي حَيَاته، وَوَجَب أَن يطعم عَنهُ بعد وَفَاته من تركته، إِن كَانَ قَدْ كَانَ أوصى أَن يطعم عَنْ صَوْم إِن كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ يَوْم يتوفى وقَدِ اخْتلف المتقدمون من أهل الْعلم فِي هَذَا، فَروِيَ عَنْهُم فِي ذَلِكَ مَا:
٩٢٤ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute