فكَانَ من الْحجَّة لَهُم عَلَى أهل المقَالَة الأولى، مَا احْتَجُّوا بِهِ عَلَيْهِم من قَول الله عز وَجل: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، إِن ذَلِكَ لَيْسَ فِيه دَلِيل عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُم، لِأَن قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} إنمَا هُوَ عَلَى الرُّخْصَة مِنْهُ لَهُم فِي ترك الصّيام، فِي عين الشَّهْر، وقضائه بعد ذَلِكَ فِي
غير الشَّهْر وَالدَّلِيل عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ من ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} وَلم يسْتَثْن فِي ذَلِكَ حَاضرا من غَائِب، وَلَا مَرِيضا من صَحِيح، وَعم بِذَلِكَ الْمُؤمنِينَ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فكَانَ هَذَا خطابا مِنْهُ لمن دخل فِي الْآيَة الأولى مِمَّنْ كتب عَلَيْهِ الصّيام، قَالَ ذَلِكَ عَلَى أَن قَوْله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أَنه عَلَى الرُّخْصَة فِي الْإِفْطَار فِي عين الشَّهْر للمسافرين وللمرضي، لَا عَلَى أَن صومهمَا إِيَّاه إِن يكلفوه غير مجزئ عَنْهُم وأمَّا مَا ذَكرُوهُ من قَول رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ من الْبر الصَّوْم فِي السّفر "، فَلَا حجَّة لَهُم أَيْضا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ يجوز لَيْسَ من الْبر الصّيام فِي السّفر أَي: لَيْسَ من الْبر الَّذِي هُوَ أبر الْبر، أَو أعَلَى مَرَاتِب الْبر الصَّوْم فِي السّفر، حَتَّى لَا يكون مِنْهُ بُد، أَو حَتَّى يَكُونَ الْإِفْطَار فِيه إِثْمًا، كمَا لَا بُد مِنْهُ فِي الْحَضَر، وكمَا إفطاره فِي الْحَضَر إِثْم، لِأَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَامَ فِي السّفر فِيمَا روينَاهُ مِمَّا تقَدم منا أفيجوز أَن يكون رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَامَ صوما لَيْسَ ببر؟ وحاش لله أَن يكون كَذَلِكَ، وَلَكِن معنى قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ
من الْبر الصّيام فِي السّفر "، عَلَى معنى لَيْسَ من الْبر الَّذِي هُوَ أبر الْبر الصّيام فِي السّفر، لِأَنَّهُ قَدْ يكون الْإِفْطَار فِي السّفر للقوة للقاء الْعَدو ولمَا أشبه ذَلِكَ أَفْضَلَ من الصَّوْم فِي السّفر، وَلَكِن ذَلِكَ عِنْدَنَا كَقَوْل رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ الْمِسْكِين بِالطّوافِ الَّذِي ترده اللُّقْمَة وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَة وَالتَّمْرَتَانِ "، قَالُوا فَمن الْمِسْكِين يَا رَسُول اللهِ؟ قَالَ: " الْمِسْكِين الَّذِي لَا يعرف، وَلَا يسْأَل فيتصدقَ عَلَيْهِ "
٩٥٥ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute