قَالَ: فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: صَدَقَ ابْنُ الزُّبَيْرِ " وَكَانَ هَذَا عِنْدَنَا غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الرَّفَثَ هُوَ الْجِمَاعُ، وَمَا دُونَ الْجِمَاعِ
مِمَّا هُوَ مِنْ أَسْبَابِهِ فَجَائِزٌ فِي اللُّغَةِ أَنْ يُسَمَّى بِاسْمِهِ إِذْ كَانَ مِنْ أَسْبَابِهِ فِي حُرْمَةِ الْحَجِّ، تَوْكِيدًا مِنْهُمَا بِحُرْمَةِ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ وَكَانَ الَّذِي فِيهِ مِنَ الْمُرَادِ بِالْفُسُوقِ أَنَّهُ السِّبَابُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُخَالِفٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ السِّبَابَ خُرُوجٌ عَنِ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ، فَذَلِكَ فُسُوقٌ، لِأَنَّ أَصْلَ فَسَقَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِنَّمَا هُوَ خَرَجَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فَسَقَتِ الرُّطْبَةُ، إِذَا خَرَجَتْ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَقَدْ سُمِّيَتِ الْفَأْرَةُ وَغَيْرُهَا مِمَّا أُبِيحَ قَتْلُهُ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَوَاسِقَ "
١١٧٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْحُدَيَّا، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ " فَكَانَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ يَرَى كَمَا يَرَى الْكِلَابُ الَّتِي لَا تَعْقِرُ، فَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى الْعَقْرِ، وَكَذَلِكَ الْحُدَيَّا وَالْغُرَابُ يَرَيَانِ كَمَا يَرَى غَيْرُهُمَا مِنَ الطَّيْرِ، ثُمَّ يَخْرُجَانِ عَنْ ذَلِكَ إِلَى الْأَذَى لِبَنِي آدَمَ فِي أَبْدَانِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ سِوَاهُمَا مِنَ الطَّيْرِ، وَكَذَلِكَ الْفَأْرَةُ تَخْرُجُ عَمَّا يُرَى عَلَيْهِ إِلَى إِحْرَاقِ الْبُيُوتِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِنَّمَا سَمَّاهَا فَاسِقَةً لِهَذَا الْمَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute