وَإِنْ أَبَاحَتْ مَا كَانَ مَحْظُورًا قَبْلَهَا، فَإِنَّمَا تَسْقُطُ بِهَا الْآثَامُ عَنِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ الْإِبَاحَاتُ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُمُ الْحُرَمُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ قَبْلَ حُدُوثِ الضَّرُورَاتِ بِهِمْ، فَكَانَ مِثْلَ ذَلِكَ لِبَاسُ الْخِفَافِ الْمُجَاوِزَاتِ لِلْكِعَابِ، وَلِبَاسُ السَّرَاوِيلَاتِ لَمَّا كَانَا مَحْظُورَيْنِ عَلَى الْمُحْرِمِينَ قَبْلَ الضَّرُورَاتِ، ثُمَّ حَدَثَتْ بِهِمُ الضَّرُورَاتُ إِلَيْهَا أَلَّا تَكُونَ الْحُرْمَةُ فِيهِمَا مُرْتَفِعَةً عَنِ الْمُحْرِمِينَ الْمُضْطَرِّينَ إِلَيْهِمَا، وَأَنْ يَكُونَ مَا أُبِيحَ لَهُمْ مِنَ اسْتِعْمَالِهَا فَلِلضَّرُورَاتِ إِلَيْهِمَا، لَا بِسُقُوطِ حُرْمَتِهِمَا وَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا اسْتُعْمِلَ مِنْهُمَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الضَّرُورَةِ، أَنَّ عَلَى مُسْتَعْمِلِهِ مِنْهُمُ الْكَفَّارَةَ الَّتِي كَانَتْ تَكُونُ عَلَيْهِ فِي اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ قَبْلَ حُدُوثِ الضَّرُورَةِ وَلَمَّا كَانَ حدَيِثُ ابْنِ عَبَّاسٍ
الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِبَاحَةٍ لَا كَفَّارَةَ مَعَهَا، عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أُبِيحَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ هُوَ لِبَاسُ الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا غَيْرُ مُحَرَّمٍ لُبْسُهُمَا قَبْلَ الضَّرُورَةِ، وَأَنَّ الَّذِي أُبِيحَ مِنْ لِبَاسِ السَّرَاوِيلِ هُوَ مَا كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ قَبْلَ الضَّرُورَةِ مِنْ خُرُوجِ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ، إِلَى مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ النَّهْيِ فِي الْإِحْرَامِ عَنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلَاتِ وَالْعَمَائِمِ فَهُوَ حُكْمُ الرِّجَالِ خَاصَّةً فِي الْإِحْرَامِ فَأَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّ حُكْمَهُنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافُ هَذَا، وَلَهُنَّ أَنْ يَلْبَسْنَ فِي الْإِحْرَامِ السَّرَاوِيلَاتِ وَالْعَمَائِمَ بَعْدَ أَلا يُغَطِّينَ شَيْئًا مِنْ وُجُوهِهِنَّ، ولَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْخِفَافُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِهَا لِلنِّسَاءِ فِي الْإِحْرَامِ، فَكَانَ أَكْثَرُهُمْ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِهَا لَهُنَّ فِي الْإِحْرَامِ، كَمَا لَا بَأْسَ لَهُنَّ بِالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْعَمَائِمِ فِي الْإِحْرَامِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ فِيمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ قَوْلُنَا وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لُبْسُ السَّرَاوِيلَاتِ مُبَاحًا لَهُنَّ فِي الْإِحْرَامِ كَانَ كَذَلِكَ لُبْسُ الْخِفَافِ وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِبَاحَتِهِ لِبَاسِ الْخِفَافِ لِلنِّسَاءِ فِي الْإِحْرَامِ، وَفِي كَرَاهَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ لِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ إِطْلَاقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ، وَفِي رُجُوعِهِ عَمَّا كَانَ يَرَى مِنْ ذَلِكَ إِلَى إِطْلَاقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِيَّاهُ لَهُنَّ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute