أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ ضَعُفَ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَتَرَكَ ذَلِكَ لِضَعْفِهِ عَنْهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، أَنَّ حَجَّهُ قَدْ فَسَدَ، وَأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ، ثُمَّ نَفَرَ مِنْهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ بِالضَّعْفِ الَّذِي بِهِ، وَأَنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ تَقُولُ: عَلَيْهِ دَمٌ فِي تَرْكِهِ بَقِيَّةَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ، تَقُولُ: قَدْ فَسَدَ حَجُّهُ وَمُزْدَلِفَةُ فَلَمْ تُجْعَلْ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الَّذِينَ أَوْجَبُوا الْوُقُوفَ بِهَا قَدْ رَخَّصُوا لِمَنْ وَقَفَ بِهَا فِي النُّفُورِ عَنْهَا بَعْدَ وُقُوفِهِ بِهَا قَبْلَ فَرَاغِ وَقْتِهَا، وَهُوَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لِلْعُذْرِ وَلِلضَّعْفِ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ عَرَفَةَ لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْوُقُوفِ بِهَا لِلْعُذْرِ، وَلَا يَحِلُّ النُّفُورُ مِنْهَا قَبْلَ أَوَانِ وَقْتِهِ بِالْعُذْرِ، وَكَانَتْ مُزْدَلِفَةُ مِمَّا يُبَاحُ ذَلِكَ مِنْهَا بِالْعُذْرِ، ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ مَزْدَلِفَةَ لَيْسَ فِي حُكْمِ عَرَفَةَ، وَأَنَّ الَّذِي لَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالْعُذْرِ هُوَ الْوَاجِبُ، وَأَنَّ الَّذِي يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَلَا تَرَى أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا طَوَافَ الْحَجِّ الْوَاجِبَ فِيهِ الَّذِي لَا يُجْزِئُ الْحَجُّ إِلَّا بِإِصَابَتِهِ، وَلَا تُجْزِئُ مِنَهُ الدِّمَاءُ، وَهُوَ طَوَافُ يَوْمِ النَّحْرِ، لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ فِي تَرْكِهِ بِضَعْفٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ فِي تَرْكِهِ لِحَيْضٍ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَأَنَّ طَوَافَ الصَّدَرِ
لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَرَ رَجُلٌ وَلَمْ يَطُفْهُ لَا لِعُذْرٍ، أَوْ لِعُذْرٍ، كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَأَجْزَأَهُ حَجُّهُ، وَلَوْ نَفَرَتِ امْرَأَةٌ حَائِضٌ وَلَمْ تَطُفْهُ كَانَتْ غَيْرَ مُسِيئَةٍ فِي ذَلِكَ، بَلْ هَيَ فِي رُخْصَةٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي تَرْكِهِا فِيهِ فَكَانَ مَا وَصَفْنَا دَلِيلًا عَلَى الطَّوَافِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ، وَعَلَى الطَّوَافِ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَالَّذِي مِنْهُ بُدٌّ فَكَانَ كَذَلِكَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِفَةَ، مَا كَانَ مِنْهُ لَا يَقْسُطُ بِعُذْرٍ، وَلَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِ اسْتِتْمَامِهِ لِلْعُذْرِ، هُوَ الْفَرْضُ، وَمَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، وَيُرَخَّصُ فِي تَرْكِ اسْتِتْمَامِهِ لِلْعُذْرِ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَثَبَتَ بِذَلِكَ مَا قَالَ الَّذِينَ ذَهَبُوا فِي حُكْمِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَنْ سَمَّيْنَاهُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ مَنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَجْزَأَهُ مِنَه الدَّمِ، وَمَنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ مُزْدَلِفَةَ وَفِي الْوُقُوفِ بِهَا مَا
١٤٦١ - قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute