وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْهُ فَأَمَّا مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ، وَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْجَزَاءَ فِي بَعْضِ الصَّيْدِ الْمِثْلَ، وَالْجَزَاءَ فِي بَعْضِهِ الْقِيمَةَ، وَلَمْ نَجِدِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَّقَ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا، بَيْنَ أَجْنَاسِ الصَّيْدِ، بَلْ وَجَدْنَاهُ عز وَجل عَمَّ ذَلِكَ وَجَمَّعَهُ، فَقَالَ: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} ، فَذَكَرَ مَا فِي الْآيَةِ وَوَجَدْنَا قَائِلِي هَذَا الْقَوْلَ قَدْ حَصَرُوا مَا سِوَى الْحَمَامِ مِنَ الطَّيْرِ، فَجَعَلُوا جَزَاءَهُ عَلَى قِيمَتِهِ، لَا قِيمَةَ لَهُ نَظِيرٌ لَهُ مِمَّا سِوَاهُ، وَجَعَلُوا فِي الْحَمَامِ إِذَا أُصِيبَ شَاةً، ثُمَّ جَعَلُوا الصِّيَامَ إِنْ وَجَبَ عَلَى قَاتِلِهِ، أَوِ الْإِطْعَامَ إِنْ وَجَبَ عَلَى قَاتِلِهِ، مَرْدُودًا إِلَى قِيمَةِ الشَّاةِ، لَا إِلَى قِيمَةِ الْحَمَامِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ هَذَا فَإِنْ قَالُوا: إِنَّمَا جَعَلْنَا فِي الْحَمَامِ شَاةً لِرِوَايَتِنَا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قِيلَ لَهُمْ: فَهَلْ مَنَعَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الطَّيْرِ سِوَى الْحَمَامِ فِي ذَلِكَ كَالْحَمَامِ؟ وَأَنْتُمْ مِمَّنْ يَقُولُ: الْقِيَاسُ حَقٌّ، فَكَيْفَ لَمْ تَقِيسُوا مَا
لَمْ تَرْوُوهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتُمُوهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، عَلَى مَا رَوَيْتُمُوهُ عَنْهُمْ مِنْ أَجْنَاسِ ذَلِكَ؟ وَلَئِنْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي بَعْضِ الصَّيْدِ هُوَ الْقِيمَةُ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الصَّيْدِ كَذَلِكَ ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَا سِوَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَنَظَرْنَا فِيمَا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مِنْ رَدِّهِ الْحُكْمَ عَلَى الْقَاتِلِ إِلَى نَفْسِهِ، وَإِلَى حَكَمٍ سِوَاهُ، فَوَجَدْنَا الْآيَةَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ فِيهَا: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَدْ وَجَدْنَا الْحُكُومَاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إِنَّمَا تَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِمْ، قَالَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ ذَلِكَ الْحَكَمَ الَّذِي مِنْ أَهْلِهِ، وَكَانَ الْحَكَمُ هُوَ الَّذِي قَدْ وُقِفَ عَلَى عَدْلِهِ، وَأَمَرَ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْحُكُومَةِ إِلَى نَفْسِهِ جَارًّا مَغْنَمًا، وَلَا دَافِعًا عَنْهَا مَغْرَمًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَكَمًا، وَإِذَا كَانَ الْحَكَمُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute