الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِنَا هَذَا، أَنَّهُمَا حَكَمَا، وَلَمْ يُخَيِّرَا، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْخِيَارَ فِي أَصْنَافِ الْجَزَاءِ كَانَ إِلَيْهِمَا، لَا إِلَى مَنْ حَكَمَا عَلَيْهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا قَالَا لِلَّذِي حَكَمَا عَلَيْهِ: " اعْمِدْ إِلَى شَاةٍ، فَاذْبَحْهَا، وَتَصَدَّقْ بِلَحْمِهَا، وَاجْعَلْ إِهَابَهَا سَقَاءً "، وَتَرَكَا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ الْجَزَاءِ وَهَذَا مِنْ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَاهُمَا، وَتُرِكَ مِنْهُمُ النَّكِيرُ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِلْقَوْلِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ قَاتِلَ الصَّيْدِ الَّذِي حَكَمَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ قَدْ نَحَرْنَا فِيهِ، وَلَمْ نَنْحَرْ شَاةً كَمَا كَانَا حَكَمَا عَلَيْهِ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى تَعَدِّيهِ الْفُتْيَا، وَعَلَى قَتْلِهِ الْحَرَامَ، وَعَلَى قَوْلِهِ: " وَاللهِ مَا عَلِمَ ابْنُ الْخَطَّابِ مَا يُفْتِيكَ حَتَّى سَأَلَ الَّذِي إِلَى جَنْبِهِ "، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الشَّاةِ الَّتِي حَكَمَا بِهَا عَلَيْهِ، وَجَعَلَ نَحْرَهُ لِلنَّاقَةِ الَّذِي لَمْ يَحْكُمْ بِهِ هُوَ، وَلَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ، مُجَزِئًا عَنْهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَاتِ إِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى مَنْ أَصَابَ الصَّيْدَ، وَأَنَّ الْخِيَارَ إِلَيْهِ فِيهَا، وَأَنَّ الْحَكَمَيْنِ إِنَّمَا أُرِيدَا فِيهَا لِئَلَّا يَنْقُصَ عَمَّا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لِقَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي هَذَا عَلَى مَنْ ذَهَبَ فِيهِ إِلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّ الَّذِي يُجْزِئُ فِيهِ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ أَجْنَاسِ الْجَزَاءِ، لِأَنَّهُمَا إِنَّمَا حَكَمَا عَلَيْهِ بِشَاةٍ، فَجَعَلَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيًا، وَأَخْرَجَاهُ مِنَ الصِّيَامِ، وَمِنَ الصَّدَقَةِ، وَلَوْ كَانَتْ نَاقَتُهُ التَّيِ نَحَرَهَا عَنْ ذَلِكَ هَدْيًا، وَفِيهَا وَفَاءٌ بِالشَّاةِ الَّتِي كَانَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ حَكَمَا بِهَا عَلَيْهِ، وَوَفَّى بِأَضْعَافِهَا، فَأَمْضَى عُمَرُ ذَلِكَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْنَاسِ الْجَزَاءِ شَيْءٌ، فَأَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِمَّا كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ، كَانَ فَاعِلًا مَا كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ
، وَزَائِدًا فَضْلًا عَلَى مَا كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ، عَلَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي خِلَافِهِ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ، حُجَّةٌ وَكَانَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute